بينما تتصاعد الأزمة الاقتصادية العالمية، تتصاعد الأزمات السياسية حتى بين أقرب الحلفاء، لدرجة تحوّلهم، بين عشية وضحاها، من أقرب الحلفاء إلى ألدّ الأعداء في صراعهم من أجل مكان تحت الشمس.
في خضم هذا الصراع فإن الحرب التجارية الأمريكية مع كل العالم، والاحتكاكات غير المسبوقة بين ترامب وأوروبا، وفرض واشنطن لعقوبات على تركيا (أهم عضو في حلف الناتو) تطرح جميعها سؤالا منطقيا: متى إذا يأتي دور السعودية وسائر بلدان الخليج، ولِم لَم يحدث ذلك بعد؟
تمثّل عملية طرد السفير الكندي من الرياض تجسيدا حقيقيا لعمق الخلافات بين الغرب والخليج، كما تمثّل الكلمة الأولى، بل قل الطلقة الأولى التي قد تفجّر صراعا بين الولايات المتحدة والسعودية.
بالنسبة لعامة الشعب الأمريكي، فإن المملكة العربية السعودية هي دولة الظلام والبداوة، الدولة التي لا يمكن فيها تنظيم مظاهرات للمثليين الجنسيين، والدولة التي تعامل النساء معاملة العبيد، وهي الدولة التي لا يوجد بها أي حريات سياسية، وتضم مواطنين نصفهم من الإرهابيين. الحقيقة هي أن صورة السعوديين في ذهن الرأي العام الغربي سلبية للغاية بخاصة تجاه الدول العربية الأكثر محافظة. هذه هي حقيقة صورة السعوديين في عيون الرأي العام الغربي بشكل عام، لكن النخب الأمريكية كانت على الرغم من ذلك، وحتى زمن قريب، تتجاهل الرأي العام الشعبي، مقابل النفط، أو مقابل صفقات السلاح، أو مقابل أمن إسرائيل، أو الوقوف ضد الاتحاد السوفيتي وإيران. لكن الولايات المتحدة أيضا حاولت تغيير العرب، حيث عرض باراك أوباما في وقت من الأوقات تصدير التغيير الأمريكي في إطار مشروع "الشرق الأوسط الكبير"، ولا شك أن ما يسمى بـ "الربيع العربي" لم يتم بعيدا عن المشاركة الأمريكية.
لقد تغيّر العالم اليوم، وأصبحت الولايات المتحدة الأمريكية أكبر منتج للنفط، ومنافسا للخليج في هذا المجال، كذلك فإن أموال دول الخليج تتقلص مع الزمن، وأصبحت ضرورية لتلك الدول لحل مشاكلها الداخلية، أما إسرائيل فقد حصلت على كل ما يمكن الحصول عليه، وفقدت مواقف العواصم العربية بشأن التسوية في الشرق الأوسط قيمتها ووزنها بالنسبة لإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية معا. وأصبحت الأخيرة تنظر لدفء العلاقات العربية الإسرائيلية بوصفه أمرا حتميا وتحصيل حاصل، ولا يحتاج لأي مجهودات ومبادرات.
وعلى الرغم من أن روسيا قد عادت بالنسبة لأمريكا كمنافس، لكنها لا تستطيع، ولا تسعى لصراع مع الولايات المتحدة من أجل السيطرة على الشرق الأوسط. أما مشكلة إيران الحيوية بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، فإن دول الخليج، ودون أن تطلب منها الولايات المتحدة ذلك، تقوم بكل ما يلزم من أجل إضعاف وتشتيت إيران، وهو ما يفوق ما يمكن أن تطلبه الولايات المتحدة، ودول الخليج.. بذلك تشتري دعم واشنطن، بدلا من أن تبيع واشنطن دعمها في إضعاف إيران.
إجمالا، فإن مجمل الفوائد التي تحصل عليها الولايات المتحدة الأمريكية من السعودية وسائر دول الخليج تتناقص بسرعة، في الوقت الذي تتعاظم فيه سيطرة اليمين الغربي، الذي يؤجج مزاجا مناهضا للعرب والمسلمين، وبالتزامن مع ذلك يصبح من واجب الساسة الأمريكيين أن ينصاعوا لرأي الشارع الأمريكي.
يتصاعد كذلك التناقض في المواقف الاقتصادية، فإذا كانت الولايات المتحدة قادرة على إعادة النظر في العلاقات الاستراتيجية لأبعد الحدود مع الاتحاد الأوروبي أو مع تركيا، فبالتأكيد لن تمثّل إعادة النظر في العلاقات الأمريكية السعودية أي تابو بالنسبة لأمريكا.
لابد أنهم في الرياض يدركون حقيقة الوضع الراهن، ويدركون أيضا أن الرياض قد ينتظرها نفس مصير دول "الربيع العربي، إذا ما قررت الولايات المتحدة الأمريكية يوما أن تفرض بجدية القيم الأمريكية على الداخل السعودي، لكن السعودية لا تستطيع أن تواجه الأمريكيين بالمعارضة، خاصة في وجود رئيس حازم ومندفع في الانتقام، يبدو الأمر مرعبا! لذلك اختارت السعودية لهذا الهدف كندا، التي قدمت لها سببا على طبق من ذهب، بينما لا تبدو تداعيات التصرف السعودي بنفس الرعب الذي قد تمثله خطوات مماثلة ضد الولايات المتحدة الأمريكية. والآن تنتظر الرياض ردا من الطرف الحقيقي الذي وجهت له هذه الرسالة.
المحلل السياسي: ألكسندر نازاروف