وأثّرت بشكل مباشر على قضية تصدير النفط السعودي، ومصير الاتحاد الأوروبي.
لقد كان الرد الإيراني على الإنذار الأمريكي إنذارا إيرانيا مقابلا للاتحاد الأوروبي، الذي يقف (من دون هذا الإنذار) على حافة الانهيار عقب خروج بريطانيا من الاتحاد "البريكست"، ثم نتائج الانتخابات الإيطالية، ومع كل يوم يمضي نتابع أسبابا إضافية للانقسام بين أعضائه، ابتداء من أزمة المهاجرين، فالعقوبات المفروضة على روسيا، مرورا بخط أنابيب الغاز الطبيعي السيل الشمالي، وانتهاء بالاتفاق الإيراني. لقد تأسس الاتحاد الأوروبي في زمن تصورّ فيه الغرب أن تلك هي "نهاية التاريخ"، وأنه قد انتصر في الحرب الباردة، وبات ينتظر جني ثمار الاستقرار والرخاء والسلام لألف عام قادمة. لكن أوروبا اليوم تستيقظ صباح كل يوم على تحدّ جديد، يهدّد وحدتها أكثر فأكثر، بينما تتصاعد التأكيدات الآن بأن "البريكسيت" لم يكن سوى ورقة الخريف الأولى، وسوف تتبعها ورقات أخرى، وآن الأوان للتفكير فيمن سيكون التالي..
وبالعودة إلى قضية السعودية، فقد تضمن الإنذار الإيراني مطالب من لاتحاد الأوروبي بضمان تصدير النفط الإيراني بالكميات التي ترغب طهران في بيعها، وإلاّ فسوف تعود الجمهورية الإسلامية إلى تخصيب اليورانيوم، ما يمكن أن يؤدّي إلى حرب جديدة. وفي كل الأحوال فإن الحرب المزمعة بين الولايات المتحدة وإسرائيل وربما شركائهما في المنطقة من ناحية وبين إيران من ناحية أخرى قد يتسع نطاقها الإقليمي لتصبح حربا عالمية، بالنظر إلى وجود المصالح والقوات الروسية في سوريا. وإذا كانت موجة المهاجرين من سوريا قد وضعت الاتحاد الأوروبي على حافة الانهيار، فماذا يمكن أن تفعل به موجة جديدة تضم عشرات الملايين من المهاجرين؟ أضف إلى ذلك أزمة 2008 الاقتصادية التي لم تنته بعد، بصرف النظر عن رأي "الاقتصاديين" الغربيين، وما يمكن أن تسببه تلك الأزمة من أزمات أسوأ يمكن أن تعصف بالاتحاد الأوروبي.
باختصار، إن عدم قبول الاتحاد الأوروبي الإنذار الإيراني، مهما كانت شروطه تعجيزية، سوف يدفع الأمور نحو الأسوأ، لذلك فإن احتمالات رضوخ الاتحاد الأوروبي وفيرة.
يعني ذلك أن بمقدور إيران أن تطرح نفطها للتصدير إلى الاتحاد الأوروبي فقط، وربما إلى الصين، إذا لم تدعم الصين العقوبات الأمريكية ضد إيران.
من ناحية أخرى فقدت المملكة العربية السعودية فعليا مركزها الأول في واردات الصين من النفط، حيث أزاحتها روسيا، التي وجهت صادراتها من النفط إلى الصين عقب تصعيد التوتر في العلاقات الروسية مع الغرب، إلى جانب الأسباب التي أوضحتها من قبل، والتي تضغط من أجلها الولايات المتحدة الأمريكية على الرياض لخفض صادرات النفط إلى الصين. علاوة على ذلك توصلت الصين والولايات المتحدة الأمريكية منذ أيام إلى اتفاقية لوقف الحرب التجارية بينهما، تلتزم فيها بكين برفع وارداتها من النفط الأمريكي بشكل كبير. أجازف بالتوقع أن المملكة العربية السعودية سوف تخسر مرة أخرى أكثر من أي طرف جراء ذلك.
وهنا يأتي الإنذار الإيراني لأوروبا، والذي سوف يؤثر الرضوخ له في تحديد السوق الأوروبية أيضا بالنسبة للسعودية، ولن يتبقى لها سوى أسواق صغيرة في العالم الثالث لدول متعثرة الاقتصاد، تصارع على حافة أزمات اقتصادية، والتي سوف تخفض من استهلاك النفط حال حدوثها. أما الولايات المتحدة الأمريكية فهي تزيد من استخراجها للنفط في أراضيها، ولم تعد ترحب بالنفط السعودي.
لذلك فقد تصبح المملكة العربية السعودية الخاسر الأكبر اقتصاديا من موقف الولايات المتحدة الأمريكية تجاه إيران على المدى البعيد حتى دون إغلاق مضيق هرمز لدواعي الحرب، وذلك لإغلاق أو تحديد أكبر وأهم أسواق النفط العالمية أمام النفط السعودي. لا أعتقد أن الرياض كانت تنتظر من دعمها لواشنطن نتيجة كهذه...
المحلل السياسي ألكسندر نازاروف