الوعود الأمريكية الرئاسية بنقل السفارة إلى القدس، تزايدت بشكل كبير منذ احتلال إسرائيل للقدس الشرقية عام 1967، وبذلك تهيأ الحلم بالتمهيد لجعل القدس الكبرى عاصمة للدولة.
بدءا بريتشارد نيكسون وصولا إلى باراك أوباما، لم تتوقف الوعود بتحقيق "هذه الأمنية الكبرى"، إلا أن حسابات الخسارة والخشية من المجازفة بالمصالح الأمريكية في المنطقة ، ناهيك عن التداعيات الخطيرة الأخرى المحتملة، كبحت الرؤساء الأمريكيين المتعاقبين، إلى أن أطل ترامب، بشخصية استثنائية، ووضع إقليمي ودولي استثنائي، تميز بالخصوص بتغيرات كبرى غيرت وجه الشرق الأوسط، بشكل شبه كلي.
ويمكن تلخيص المحطات الرئيسة في طريق السفارة الأمريكية لدى إسرائيل نحو القدس، والقول إنها بدأت بإقرار الكنيست في 30 يوليو/تموز 1980 قانون القدس الذي ينص على أنها عاصمة إسرائيل بعد ضم القدس الشرقية قانونيا ودستوريا.
تلك الخطوة أددت حينها إلى نتائج عكسية، حيث نقلت عدة دول سفاراتها من القدس إلى تل أبيب، على الرغم من إقرارها بالسيادة الإسرائيلية على القسم الغربي من المدينة المقدسة.
أما أبرز خطوة عملية في هذا الطريق، فقد أرخت في 19 يناير/كانون الثاني 1982، في آخر يوم من ولاية الرئيس الأمريكي رونالد ريغان، وكان ذلك حين وقعت الولايات المتحدة مع إسرائيل على وثيقة خطيرة سميت "اتفاق إيجار وشراء الأرض"، وحصلت واشنطن بموجبها على قطعة أرض من أملاك الوقف الإسلامي والخواص في القدس الغربية بهدف تشييد مبنى للسفارة الأمريكية عليها.
وذهب الكونغرس عام 1990 بعيدا، بتبنيه للقرار رقم 106 والقاضي بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، وفي عام 1995 صدر قانون ، يلزم الإدارة الأمريكية بنقل السفارة إلى القدس بحلول عام 1999 أو في وقت آخر يناسب لهذه الخطوة.
وأجاز هذا القانون للرؤساء الأمريكيين تأجيل تنفيذ قرار نقل السفارة إلى القدس لمدة ستة شهر، كان آخرها بيد الرئيس دونالد ترامب في الأول من يوليو/تموز 2017.
وفي عام 2002، وقع الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن قانونا، كان اقره مجلس الشيوخ ينص على أن القدس الموحدة، عاصمة لدولة إسرائيل.
ويبدو أن الكثير من الإسرائيليين كانوا يعتقدون أن ترامب سيواصل استخدام مخرج التأجيل، ولن يحيد عن هذا التقليد، إذ أعرب رئيس مجلس حاخامات أوروبا بينحاس غولدشميدت العام الماضي عن شكوكه في إمكانية وفاء ترامب بتعهداته بشأن هذه القضية وقال بالخصوص :"كلما تعهد رؤساء الولايات المتحدة بنقل السفارة عرقلت وزارة الخارجية الأمريكية الأمر"، مشيرا في ذات الوقت إلى أنه سيكون : "مندهشا للغاية في حال لن تفعل الخارجية ذلك من جديد".
وفي نهاية العام الماضي، هدأ السفير الإسرائيلي الأسبق في واشنطن زلمان شوفال من قلق أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية صائب عريقات بشأن تعهدات ترامب بنقل سفارة بلاده إلى القدس، قائلا :" ليس على عريقات أن يقلق، فجميع مرشّحي الرئاسة وعدوا بنقل السفارة إلى القدس، وفيما بعد تراجعوا".
عريقات كان صرّح حينها مشددا على أن السفارة الأمريكية لن تنقل إلى القدس تحت أي ظرف ورأى أن ذلك سيلحق الدمار بمصالح الولايات المتحدة بالمنطقة وعلاقاتها مع الدول العربية والإسلامية.
محمد الطاهر