هذه العلاقات على كل حال لها تاريخ طويل، وقد بدأت مع المراحل الأولى لتأسيس المملكة منذ عشرينيات القرن الماضي، بوصول أول بعثة دبلوماسية سوفيتية إلى المنطقة قادها كريم حاكيموف الذي اشتهر لاحقا باسم الباشا الأحمر.
الباشا الأحمر، دبلوماسي فريد، كان قد حضر إحدى المراحل الهامة في تأسيس السعودية، وبذل جهودا كبيرة في سبيل توثيق الصلات بين الاتحاد السوفيتي والدولة الجديدة.
إنه كريم حاكيموف، رسول ستالين إلى الجزيرة العربية، وأول دبلوماسي يتصل بقادة "السعودية" في 16 فبراير عام 1926، مدشنا أول اعتراف رسمي بما عرف آنذاك بـ"سلطنة نجد" قبل اكتمال تأسيس السعودية عام 1932.
وبفضل الدور الكبير الذي لعبه حاكيموف في مد الصلات بالسعودية واليمن خصوصا، اشتهر بلقب الباشا الأحمر، وحظي بعلاقات وثيقة بعدد من الأمراء السعوديين الكبار، وبالأخص بالأمير فيصل بن عبد العزيز الذي تولى الحكم في البلاد بين عامي 1964 – 1975.
بدأ مشوار الباشا الأحمر في المنطقة عام 1924 حين أُرسل إلى الحجاز لإقامة علاقات دبلوماسية مع المملكة الهاشمية، بعد أن عمل لفترة سفيرا للاتحاد السوفيتي في جمهورية بخارى ودبلوماسيا مفوضا في إيران.
وصل كريم حاكيموف إلى المنطقة مع اندلاع الحرب بين نجد والحجاز، والتي انتهت بسيطرة عبد العزيز آل سعود على الحجاز وضمها إلى سلطنة نجد، وبدأ اتصاله بأمراء آل سعود.
ومنذ ذلك الزمن البعيد، قبل اكتشاف النفط واكتمال تأسيس السعودية، واجه الدبلوماسي السوفيتي محاولات قوية من ممثلي بريطانيا لإعاقة عمله، وكتب في هذا الصدد يقول: "الإنجليز بهدف عزل المشرق العربي عن الاتحاد السوفيتي يفعلون كل ما بوسعهم لمنع وصول المواطنين السوفيت إلى هذه البلاد".
استتبت الأمور لعبد العزيز آل سعود أوائل عام 1926 في الحجاز، وتمكن حاكيموف من الوصول إلى مكة انطلاقا من مقر بعثته في جدة على الرغم من تواصل العمليات العسكرية هناك، وسلّم آل سعود مذكرة اعتراف الاتحاد السوفيتي بمملكة الحجاز ونجد.
الوثائق السوفيتية تشير إلى أن الباشا الأحمر نجح في إقامة صلات صداقة وثيقة مع آل سعود، وشرعت موسكو إثر ذلك في إرسال مساعدات إلى شبه الجزيرة العربية من بينها الحبوب والكيروسين.
وفي عام 1928 أُرسل الباشا الأحمر في مهمة دبلوماسية إلى اليمن، وبقي هناك حتى عام 1932، حين استدعي إلى موسكو بمناسبة زيارة الأمير فيصل بن عبد العزيز.
تلك الزيارة اليتيمة لم يحالفها النجاح لأسباب عديدة منها، أن فيصل بن عبد العزيز لم يتمكن من الاجتماع إلا بميخائيل كالينين، أحد أعضاء اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفيتي ما تسبب في استياء الأمير، الذي اشتهر بعد توليه الحكم بقرار حظر النفط ووقف تصديره إلى دول من بينها الولايات المتحدة عام 1973.
عاد حاكيموف عام 1935 إلى السعودية مندوبا مفوضا لبلاده، وما كادت تتحسن العلاقات بين البلدين حتى تم استدعاؤه من جديد خريف عام 1937 إلى موسكو ليواجه مصيره المأساوي، وليصبح أحد ضحايا ما يعرف بفترة القمع والاضطهاد الستالينية.
محمد الطاهر