وتعادل المساحة التي سيطرت عليها القوات السورية خلال 60 يوما المساحة التي استعادتها على مدى 6 أعوام، بحسب ما أفادت وكالة "تسنيم" الإيرانية.
التطورات على الخارطة الميدانية السورية، بدأت بعد الاتفاق على إنشاء مناطق خفض التصعيد في سوريا، وضمت أربع مناطق، هي: محافظة إدلب وبعض أجزاء الجوار، وأجزاء محددة من شمال محافظة حمص، الغوطة الشرقية، وبعض مناطق جنوب سوريا، حيث جرى هذا الاتفاق في العاصمة الكازخية "أستانا" في الرابع من أيار/مايو من العام الجاري، ونص الاتفاق على أن تكون كل من روسيا وإيران وتركيا دولا ضامنة لمراقبة وقف إطلاق النار في تلك المناطق.
خطان متوازيان بدأهما الجيش في عمق البادية السورية، أولهما تمثل في توسيع السيطرة على أطراف مدينة تدمر في الريف الشرقي لمدينة حمص، بعد أن استعاد الجيش السوري المدينة الأثرية من براثن "داعش" للمرة الثانية على التوالي، فكان لابد من عملية عسكرية لإبعاد هذا الخطر بشكل نهائي.
الأهداف الاستراتيجية التي حققها الجيش السوري في أطراف مدينة تدمر، تجلت في السيطرة على حقول النفط والغاز التي تشكل أهم دعائم الاقتصاد السوري، وأبرزها: حقل "آراك" النفطي الذي سيطر عليه الجيش السوري بتاريخ 16 يونيو/حزيران 2017، ويبعد حوالي 40 كم شمال شرق مدينة تدمر.
وبتحرير الجيش السوري حقل آراك يكون قد سيطر على الغالبية العظمى من منشآت النفط والغاز في البادية السورية، ليقترب من السيطرة على منطقة "السخنة" الاستراتيجية التي تعتبر بوابة الدخول إلى حدود دير الزور من الجهة الشرقية.
أما الخط الثاني الذي عمل عليه الجيش السوري في عمق البادية، فهو تأمين الطريق الواصل بين دمشق وبين الحدود السورية العراقية، ووصولا إلى معبر "التنف" الحدودي، حيث استطاع الجيش السوري وحلفاؤه التقدّم، في خطوات متسارعة، بدءا من الريف الشرقي للعاصمة في اتجاه الشرق، ليستشعر الأمريكيون مباشرة خطر هذا التقدم السريع وينفذ أكثر من استهداف بطيرانه الحربي على مواقع تابعة للجيش السوري عند حاجز "ظاظا" الذي يبعد عن معبر "التنف" حوالي 55 كم، ما أدى إلى مقتل عدد من الجنود السوريين، حيث كان الأمريكيون يهدفون من عدوانهم هذا إلى منع الجيش من التقدم والوصول الحدود السورية العراقية.
لم يأبه الجيش السوري وحلفاؤه بالتهديد الأمريكي، بل تابع مسيره بثبات إلى أن وصل إلى مبتغاه، والتقى مع القوات العراقية شمال معبر التنف بتاريخ 10 يونيو 2017 بعد أن حرر ما لا يقل عن 20 ألف كم مربع، قاطعا بذلك الطريق على القوات المدعومة أمريكيا، ومبددا أحلامها في الوصول إلى مدينة دير الزور، الهدف الاستراتيجي للجيش السوري.
وصول الجيش السوري وحلفائه إلى الحدود مع العراق، أبطل أي مفعول للقوات المدعومة أمريكيا، لأنها باتت مطوقة من كل جانب. وفي الوقت نفسه، شكّل هذا الإنجاز منطلقا للجيش السوري نحو الخطوة اللاحقة وهي التحرك في اتجاه مدينة دير الزور، لفك الحصار عنها وتحريرها من تنظيم "داعش".
وبالفعل فقد وسّع الجيش من نطاق سيطرته واتجه شمالا فوصل إلى الحدود الإدارية لمحافظة دير الزور، بعد أن سيطر بتاريخ 24 يونيو 2017 على منطقة "الضليعات"، الواقعة على مشارف منطقة "حميمة" على الحدود الإدارية بين حمص ودير الزور.
جدير بالذكر أن إيران أطلقت في 18 يونيو/حزيران 7 صواريخ أرض – أرض، من نوع "ذو الفقار"، من قواعد للصواريخ في محافظات كرمانشاه وكردستان دكّت، على مواقع تنظيم "داعش" في دير الزور، وأسفرت عن مقتل العديد من قادة التنظيم وتدمير مستودعات للأسلحة والذخيرة.
وبالتزامن مع العمليات العسكرية في المنطقة الوسطى والمنطقة الجنوبية من البادية السورية، كان الجيش السوري يخوض عمليات أخرى في الشمال، وتحديدا في الريف الشرقي لمدينة حلب، حيث تقدم الجيش السوري وسيطر على منطقة "مسكنة" الاستراتيجية التي تعتبر آخر معاقل داعش في الريف الشرقي لمدينة حلب، ليكون الجيش قد حرر بذلك ما مساحته 1400 كم مربعا، وسيطر على عشرات القرى والبلدات، وقتل أكثر من 1200 من عناصر "داعش". حسب ما صرح مصدر عسكري سوري.
ولم تتوقف عمليات الجيش السوري في الشمال على تحرير ريف حلب الشرقي بالكامل، بل تبع ذلك تقدم الجيش السوري وحلفائه، بإسناد جوي من الطيران الروسي، في اتجاه الشرق أيضا، ليدخل إلى ريف الرقة الجنوبي، ويسيطر بتاريخ 19 يونيو 2017 على مدينة الرصافة الاستراتيجية الواقعة على بعد 30 كم جنوب مدينة الرقة، المعقل الأبرز لتنظيم "داعش"، إضافة إلى سيطرته على أكثر من عشرين قرية ومزرعة.
سيطرة الجيش السوري على مدينة الرصافة، كانت منطلقا لهدف استراتيجي لا يقل أهمية عن أي إنجاز حققه الجيش على مدى الشهرين الماضيين، وهو تأمين الشريان الحيوي لمدينة حلب، طريق "أثريا – خناصر"، حيث عمد الجيش إلى تضييق الخناق على تنظيم "داعش" في المساحة الواقعة بين مدينة الرصافة جنوب الرقة ومنطقة أثريا التي يسيطر علها الجيش جنوب حلب، مشكّلا بذلك فكي كماشة، جعلت عناصر "داعش" يستشعرون خطر الحصار المطبق، ما اضطرهم للانسحاب من مواقعهم، في اتجاه عمق البادية، ليحرر الجيش السوري مساحة وصلت إلى 5000 كم مربع، ويعلن بتاريخ 30 يونيو/حزيران طريق "أثريا – خناصر" مؤمنا بالكامل، بعد أن كان، لأكثر من ثلاث سنوات، عرضة لما تنفذه "داعش" من عمليات بالقذائف والألغام والسيارات المفخخة.
في غضون ذلك، تمكنت القوات السورية من إحكام السيطرة على حي "القابون" الدمشقي، الذي كانت تسيطر عليه "جبهة النصرة" و"فيلق الرحمن"، حيث خاض الجيش السوري عمليات نوعية، أسفرت عن فصل حي القابون عن حي "جوبر"، علما أن المسلحين سلموا الحي المذكور، مقابل إرسالهم إلى مدينة إدلب شمال البلاد، وبذلك يكون الجيش قد طهّر أحد أهم الأحياء شمال شرق العاصمة السورية، والذي كان منطلقا للقذائف الصاروخية التي تستهدف المدنيين في العاصمة دمشق.
وبالتوازي مع العمليات العسكرية التي تجري على امتداد الأراضي السورية، تسير الدولة السورية بملف التسويات والمصالحات في عدد من المدن والبلدات، لتصبح خالية من المظاهر المسلحة، ومن أهم تلك التسويات، تسوية حي "الوعر" الواقع شمال مدينة حمص وسط سوريا، حيث تمكنت الحكومة السورية من إخراج أكثر من 14 ألف مسلح مع عائلاتهم، وذلك على عشر دفعات، منهم من اتجه إلى مدينة إدلب شمال غرب البلاد، وآخرون توجّهوا إلى مدينة "جرابلس" شمال شرق البلاد.
المصدر: وكالة "تسنيم" الإيرانية