لقاء في الخارجية القطرية بعيدا عن عدسات الكاميرات حاول خلالها الدبلوماسي شرح موقف حكومته من التطورات التي أخذت منحى تصعيديا كبيرا في الإعلام العربي، ما دفعنا للسؤال عن شعرة معاوية في العلاقات مع السعودية والإمارات والبحرين وربما مصر؟؟ الجواب جاء في سياق المواقف التي شددت عليها الدوحة منذ بدء الأزمة حيث أن الحل السياسي هو الخيار الاستراتيجي هنا مع التأكيد على دعم الوساطة الكويتية التي تلخص مساعي جميع الدول في التهدئة وبدء حوار بناء وفق أسس واضحة ومتفق عليها، لكن هذا الحوار مستحيل تحت الحصار.
الدبلوماسية الخليجية تعيش اليوم منعطفا جديدا، فالخلاف مع قطر ليس كسابقه أبدا، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني أكد أن خصوم الدوحة ينعتون جميع من لا يتفق معهم بصفة الإرهاب وهم ليسوا في موقع يؤهلهم لرشق الاتهامات، فالإرهاب يختلف عن الخصومة السياسية وهو تعبير عن الرجعية باستخدام العنف ضد المدنيين لتغيير الواقع .. وعليه تساءل آل ثاني لماذا حتى الآن لم تقدم أي أدلة أو حتى مطالب تحدث عنها وزير الخارجية السعودي عادل الجبير ؟؟ مؤكدا في الوقت ذاته أن قطر رائدة في مكافحة الإرهاب سياسيا وعسكريا ولعبت دورا مهما في نزع فتيل العديد من النزاعات وإعادة إعمار الدول.
وزير الخارجية القطري تحدث بصراحة معنا، وإن قال إنه لا يرى علاقة بين قمة الرياض والتصعيد ضد بلاده. الرجل الذي عاد من جولة مكوكية أوروبية وصف الحملة التصعيدية ضد قطر بالمفاجئة المبنية على جريمة قرصنة ومحاولة لمحاسبة قطر على 20 سنة من السياسة، حيث أن السلطة في الدوحة بحسب وزير خارجيتها مستهدفة بمخطط مبني على فبركات والأمر ليس صدفة ما يعني الخروج عن اتفاق الرياض عام 2014 والذي تبقى بنوده طي الكتمان. في الخارجية القطرية أكدوا لنا أن هذا الاتفاق يشدد على حل جميع الخلافات في إطار مجلس التعاون الخليجي بعيدا عن التدويل وأي عمل عدواني، هكذا يصفون هنا الحصار الذي يعتبرونه خروجا عن الأعراف المتفق عليها ..
الأمور في الدوحة تبدو طبيعية على الرغم من قلق البعض من المجهول، الأمور الاقتصادية تحت السيطرة بفضل البضائع التركية والإيرانية، والجبهة الداخلية قوية ومتماسكة أكثر مما توقع الآخرون، هكذا رد آل ثاني على سؤال يتعلق بعدم مغادرة الأمير تميم البلاد خوفا من مؤامرة داخلية وهو ما ألمح إليه الإعلام المعادي للدوحة، أما الحديث عن تغيير النظام فيعتبره القطريون عدوانا أيضا يخالف القانون الدولي الذي تحترمه قطر!!
خلال الحديث الذي لم يتجاوز ساعة من الزمن، قال وزير الخارجية القطري إنه ليس بمكان لتقييم احتمال أي نجاح أو فشل دبلوماسي مؤكدا أن بلاده قادرة على تغيير الكثير من الهجوم الذي تتعرض له والعقاب الجماعي الذي يطالها متوقعا ما هو أكثر من التصعيد الإعلامي.
أما ما يخص العلاقات الدولية، فإنها لا تزال قوية مع الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وغيرها من الدول رغم الخسائر التي لحقت بها بسبب الأزمة، وذلك في وقت لم تؤثر فيه تعقيدات المنطقة على العلاقات مع الكويت وسلطنة عمان وتركيا وإيران وربما العكس، فتركيا تتجه لتدشين قاعدة عسكرية في قطر وسط خلافات بدأت تطفو على السطح مع الرياض، في حين تبقى العلاقات مع إيران معقدة لكنها مبنية على مبدأ حسن الجوار، وعليه تساءل آل ثاني لماذا يفرضون على الدوحة حصارا بسبب علاقتها مع طهران ولا يتخذون ضد الأخيرة نفس الإجراءات؟؟ أوليست العلاقات الاقتصادية بين الإمارات وإيران أقوى من العلاقات بين قطر وإيران؟؟ أسئلة مشروعة تؤكد أن ما يشاع اليوم عن أزمة الخليج ليس إلا قمة جبل الجليد، فلا موضوع السياسة الخارجية القطرية المستقلة ولا موضوع توجهات قناة الجزيرة يبدوان مقنعين على الرغم من تأكيد وزير الخارجية القطري أن هذه الأمور مسائل داخلية وغير قابلة للطرح على طاولة التفاوض.
وزير الخارجية القطري حاول التركيز على الأزمة الخليجية خلال حديثه معنا، لكننا سألناه أيضا عن الأزمة السورية خلال خروجه من القاعة بعد انتهاء اللقاء، فآل ثاني زار موسكو مؤخرا واستقبل معاون وزير الخارجية الإيراني حسين جابري أنصاري وسط حديث في السعودية عن إعادة هيكلة الهيئة العليا للمفاوضات مع استبعاد المحسوبين على قطر والإخوان المسلمين قبيل محادثات أستانا وجنيف، فكان الرد مبتسما هو أن موقف الدوحة من الأزمة السورية لم يتغير وهي تدعم مسار أستانا واليوم منشغلة بملفات أخرى.
سرجون هدايه - الدوحة