لقد تسببت موجة الانفجارات القاتلة لأجهزة الاستدعاء "البيجر" وغيرها من الأجهزة الإلكترونية التي يحملها المسلحون في لبنان بزيادة مخاوف البنتاغون بشكل حاد بشأن اندلاع حرب برية محتملة في جنوب لبنان بين إسرائيل و"حزب الله".
وحتى قبل مئات الانفجارات المنتشرة على نطاق يومي واسع، الثلاثاء والأربعاء، أخبر وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن كبار المسؤولين الآخرين في البنتاغون، باجتماع يوم الاثنين، أنه يخشى أن تشن إسرائيل هجوما قريبا، بعد أشهر من الهجمات الصاروخية والجوية المتبادلة مع "حزب الله".
وقد اشتد القلق الأمريكي بشأن الغزو المحتمل منذ الهجمات الشرسة في لبنان، حيث قال مسؤول دفاعي كبير: "إني قلق للغاية بشأن خروج هذا الوضع عن السيطرة"، وهو ما يعكس التعليقات التي أدلى بها مساعدون آخرون في البنتاغون منذ يوم الثلاثاء.
ونقل الجيش الإسرائيلي، في الأيام الأخيرة، فرقة من جنود الكوماندوز والمظليين من جنوب البلاد إلى شمالها، بعد أن عملت لعدة أشهر في غزة، وفقا لشخص مطلع على الأمر، حيث تتكون هذه الفرقة من آلاف الجنود.
ومنذ اندلاع حرب غزة، أكتوبر الماضي، تشعر إدارة بايدن بالقلق من اندلاع صراع واسع النطاق، ربما يجتذب الولايات المتحدة وحتى إيران، على الحدود الشمالية لإسرائيل.
وشدد المسؤولون الأمريكيون على أنهم لم يروا حتى الآن أي مؤشرات مثل استدعاء قوات الاحتياط في إشارة إلى غزو وشيك. وحتى بعد اتخاذ القرار، فقد يستغرق الأمر أسابيع قبل أن تكون القوات الإسرائيلية في وضع يسمح لها بشن هجوم كبير. ولكن مسؤولين دفاعيين أمريكيين قالوا إن إسرائيل قد تأمر بعملية أصغر حجما بسرعة أكبر، دون الحاجة إلى تحركات عسكرية أخرى كبيرة.
وقال مسؤولون إسرائيليون، يوم الأربعاء، إنهم بصدد بدء مرحلة جديدة في صراعهم مع "حزب الله" ما لم تسحب الجماعة المسلحة قواتها من جنوب لبنان وتوقف هجمات الصواريخ وقذائف الهاون عبر الحدود، والتي أجبرت عشرات الآلاف من الإسرائيليين على النزوح من الشمال.
وأفاد المسؤولون الإسرائيليون بتخصيصهم الموارد والقوات للساحة الشمالية، وقالوا إن "المهمة واضحة وهي ضمان العودة الآمنة لمجتمعات شمال إسرائيل إلى ديارها". وهو ما نشره وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت يوم أمس الأربعاء على موقع X للتواصل الاجتماعي، حيث تابع: "للقيام بذلك، يجب تغيير الوضع الأمني".
من جانبه قال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي جون كيربي للصحفيين، يوم أمس الأربعاء، إن هناك طريقة لإنهاء الأزمة من خلال الدبلوماسية لا الحرب، وأضاف: "كل شيء وارد"، في إشارة إلى احتمال اندلاع صراع.
بدوره تعهد "حزب الله" بالرد على إسرائيل بسبب الهجمات السرية على اتصالاته، ولم يدل المسؤولون الإسرائيليون بأي تعليقات علنية بشأن الانفجارات. وقالت الحكومة اللبنانية إن الهجمات التي وقعت يوم الأربعاء أسفرت عن مقتل 20 شخصا، وإصابة أكثر من 450 آخرين، بعد أن أسفرت هجمات الثلاثاء عن مقتل 12 شخصا وإصابة أكثر من 2800 آخرين، وألقي باللوم على إسرائيل.
وقال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، في مؤتمر صحفي بالقاهرة يوم الأربعاء، إنه "من الضروري أن تمتنع جميع الأطراف عن أي إجراءات من شأنها تصعيد الصراع".
وقد أطلق "حزب الله" مئات الصواريخ على شمال إسرائيل، أغلبها على أهداف عسكرية، وقد اعترضت أنظمة الدفاع الإسرائيلية أغلبها. كما استهدف "حزب الله" مناطق سكنية، وقال إنه سيوقف هجماته عندما توقف إسرائيل هجماتها على "حماس" في غزة.
في نفس الوقت، فإن الطرفين يترددان في تصعيد الصراع، خوفا من العواقب التي من المرجح أن تكون مدمرة لكلا الجانبين.
وتأتي التوترات المتصاعدة بين إسرائيل و"حزب الله" بعد أقل من شهر من تراجع الخصمين عن الاشتباك الوشيك في أعقاب اغتيال إسرائيل لأحد كبار قادة "حزب الله" في بيروت، واغتيال زعيم حركة "حماس" في طهران.
وقد أطلق "حزب الله" مئات الصواريخ والطائرات المسيرة على إسرائيل، 25 أغسطس الماضي، في الوقت الذي قصفت فيه نحو 100 طائرة حربية إسرائيلية أهدافا في لبنان، وهي الخطوة التي قالت إسرائيل إنها تهدف إلى استباق هجوم "حزب الله". ويبدو أن التبادل أسفر عن عدد قليل من الضحايا وأضرار محدودة، بعدها قال "حزب الله" إن عمليته الانتقامية انتهت.
لكن، لا يزال "حزب الله" يمتلك ترسانة هائلة من الأسلحة تشمل 150 ألف صاروخ يمكنها الوصول إلى أي مدينة في إسرائيل، فضلا عن 30 ألف مقاتل متفرغين، اكتسب كثير منهم خبرة القتال على مدى عقد من الزمان في الحرب الأهلية في سوريا. وقال نائب زعيم "حزب الله" نعيم قاسم، يوم السبت في بيروت إن الحرب الشاملة مع إسرائيل ستؤدي إلى "خسائر كبيرة في كلا الجانبين".
كما قال غالانت للمبعوث الأمريكي الخاص عاموس هوشتاين، يوم الاثنين في تل أبيب، إن "الطريقة الوحيدة المتبقية لإعادة سكان الشمال إلى منازلهم هي من خلال العمل العسكري"، وفقا لبيان صادر عن مكتب الوزير.
كذلك نقل وزير الدفاع الإسرائيلي، الذي كان قد اصطدم مرارا وتكرارا مع رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو بشأن استراتيجية الحرب، نفس الرسالة إلى أوستن عبر الهاتف في اليوم السابق. وكان رد أوستن هو حث إسرائيل على "إعطاء المفاوضات الدبلوماسية الوقت الكافي للنجاح"، وفقا للمتحدث باسم البنتاغون اللواء باتريك رايدر.
وقال مسؤول دفاعي أمريكي إن انطباع الوزير هو أن إسرائيل تدرس خيارات عسكرية جديدة للبنان، فيما صرح مسؤول دفاعي سابق: "إنك تفعل هذا الأمر في طور التشكيل أولا قبل القيام بشيء آخر"، في إشارة إلى توقيت تفجيرات أجهزة الاستدعاء وأجهزة الاتصال اللاسلكية وغيرها من الأجهزة الإلكترونية.
وقال مسؤول كبير في الإدارة الأمريكية إن هوشتاين التقى نتنياهو يوم الاثنين وتوسل إليه ألا يأذن بشن حرب ضد "حزب الله". ولم تتخل إسرائيل بالكامل عن المحاولات التي توسطت فيها الولايات المتحدة لحمل "حزب الله" على سحب قواته إلى نهر الليطاني في لبنان، على بعد 18 ميلا من الحدود الإسرائيلية اللبنانية، لكن مسؤولا إسرائيليا قال إن هذا "لا يمكن أن يستمر للأبد".
وقال مسؤولون أمريكيون إن غالانت اتصل بأوستن مرة أخرى قبل وقت قصير من تفجير أجهزة الاستدعاء في أنحاء لبنان يوم الثلاثاء، لتحذيره من عملية وشيكة دون الكشف عن تفاصيل، وقال البيت الأبيض إن الولايات المتحدة "لم يكن لها أي دور في هجمات الثلاثاء أو الأربعاء.
بدوره قال مسؤول في الشرق الأوسط، يوم الأربعاء، إن المنطقة "تتجه نحو الفوضى".
وتحتفظ الولايات المتحدة بحاملة طائرات في المنطقة هي "يو إس إس أبراهام لينكولن" USS Abraham Lincoln، وقد وضعت سفينة هجومية برمائية تحمل مشاة البحرية ومروحيات في اليونان، إلى جانب سفن أخرى وغواصة حاملة للصواريخ هي "يو إس إس جورجيا" USS Georgia. وإضافة إلى ذلك، فقد أرسلت الولايات المتحدة سربا من مقاتلات "إف-22" ووسّعت دفاعاتها الجوية حول المنطقة لحماية القوات البرية المتمركزة هناك.
وحذرت إدارة بايدن الأمريكيين لأشهر، وأصدرت نصائح بمغادرة لبنان، فيما حثت وزارة الخارجية الأمريكية الأمريكيين على عدم السفر إلى لبنان، وحثت أولئك الذين يعيشون في جنوب البلاد على المغادرة بأي وسيلة متاحة.
وقد وضعت الولايات المتحدة خططا لإجلاء الأمريكيين وغيرهم من غير المقاتلين من لبنان. وقال مسؤولون دفاعيون إن إحدى الخطط تتضمن إجلاء نحو 50 ألف مواطن أمريكي ومقيم وأسرهم إلى قبرص. وفي عام 2022، قدرت وزارة الخارجية الأمريكية أن نحو 86 ألف أمريكي يعيشون في لبنان.
وتنص خطة الإجراء على أن تقوم السفن المدنية بنقل النازحين لمسافة 160 ميلا بحريا تقريبا عبر البحر الأبيض المتوسط من لبنان إلى قبرص، فيما قال المتحدث باسم وزارة الخارجية القبرصية ثيودوروس غوتسيس، في مقابلة، إن واشنطن ستضطر لتقديم طلب رسمي لاستخدام منشأة إجلاء في الجزيرة، وأضاف في الوقت نفسه أن "التنسيق مستمر لمواجهة أي طارئ استعدادا لجميع الاحتمالات".
المصدر: وول ستريت جورنال