تحرك خروتشوف بحماسة حتى أنه عدّل بنفسه مسودة بيان للخارجية السوفيتية بشأن التطورات في العراق حينها، مشددا من لهجة موسكو بإضافة عبارة تقول إن موسكو لن تتردد في التدخل العسكري إذا اقتضى الأمر. كان الزعيم السوفيتي يرى في القوات التي أرسلتها الولايات المتحدة قبل ذلك إلى لبنان والأردن بمثابة "نذر" بتدخل عسكري "إمبريالي" في العراق.
علاوة على العبارات المتحدية والتي يصفها بعض المؤرخين الروس بـ "الصاخبة"، أمر خروتشوف بإجراءات عملية تمثلت في نشر قوات سوفيتية على الحدود مع تركيا وإيران بمحاذاة خطوط التماس.
"ثورة" 14 تموز في العراق كانت في ذلك الوقت بالنسبة لبريطانيا بمثابة "ضربة" كبيرة لما تبقى لها من نفوذ في هذه المنطقة، وقد استنفرت قواتها وعززت وجودها العسكري بما ينبئ باحتمال تدخلها عسكريا لإعادة الأوضاع في العراق إلى ما كانت عليه.
14 تموز بين "الثورة" والانقلاب:
التغيير العسكري في العراق قام به تنظيم الضباط الوطنيين بقيادة عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف. بعد عمل سري في حركي الضباط الوطنيين والضباط الأحرار، وجه عبد الكريم قاسم اللواءين 19 و20 نحو بغداد بدلا من إرسالهما إلى الحدود مع لبنان لدعم إنزال الأمريكيين هناك، كما قضت حينها أوامر رئيس الوزراء نوري السعيد.
سقط النظام الملكي وتأسست "الجمهورية"، وبدا للكثيرين كما لو أن "الانقلاب " قد تحول إلى "ثورة" وطنية أعلن قادتها أنها ضد الاستبداد. هذا التغيير استقبل بحفاوة وخرجت جموع غفيرة إلى الشوارع دعما لها.
التغيير حدثت في سياقه مأساة كبرى تمثلت في مقتل جميع أفراد الاسرة المالكة بمن فيهم الملك فيصل الثاني وكان حينها يبلغ من العمر 23 عاما، وولي العهد ورئيس الوزراء نوري السعيد.
أولئك الذين يرون فيما حدث مجرد "انقلاب عسكري" يستعملون هذا الحدث الجلل ضمن مسائل أخرى للتأكيد على موقفهم المضاد، بما في ذلك ما جرى مؤخرا من حذف هذه المناسبة من قائمة الأعياد الوطنية الرسمية في العراق.
بالمقابل، يدافع أولئك الذين يعتقدون أن التغيير في 14 تموز 1958 كان ثورة وطنية بالقول إن عملية قتل أفراد الأسرة المالكة كانت فردية ويتحمل مسؤوليتها بالدرجة الأولى منفذها النقيب عبد الستار سبع العبوسي الذي اقتحم قصر الرحاب في بغداد.
هؤلاء يقولون نقلا عن شهادات، أن هذا الضابط لمح أفراد الأسرة المطاح بها وهم يهمون بالخروج من باب المطبخ داخل قصر الرحاب، فأطلق 28 رصاصة وقتل الجميع.
بالمثل في الاتحاد السوفيتي وما بعده، ظهرت مواقف متباينة، كما يجري دائما بالنسبة للأحداث الكبرى لاسيما المرتبطة بتلك الحقبة.
بعض المنتقدين أشاروا إلى أن الاتحاد السوفيتي كان على وشك الدخول في حرب مع تركيا العضو في حلف الناتو، أكثر من مرة، واصفين خروتشوف بأنه أوصل العديد من الأحداث الدولية إلى حالة متفجرة "حتى حين لم تكن مرتبطة بشكل مباشر بالمصالح السوفيتية"، ناهيك عن أن "جميع السلطات الجديدة في الدول العربية كانت تعاملت بكل قسوة مع الشيوعيين المحليين"، إلا أن ذلك لم يكن له أي تأثير على موقف خروتشوف تجاهها".
نجل الزعيم السوفيتي نيكيتا خروتشوف الذي كان توفى في ظروف غامضة بالولايات المتحدة عام 2020، ذكر أن والده في أعقاب تلك الأحداث "أيقن أن الآخرين لا يفهمون الا لغة القوة، وأن الدبلوماسية لن تنجح إلا إذا ترافقت مع القوة العسكرية".
خروتشوف، كان متيقنا من أن الاتحاد السوفيتي بمواقفه الحازمة والقوية حيال ازمة السويس وأحداث العراق رسخ مكانة بلاده كدولة عظمى. هذا الموقف والكثير من التفاصيل المثيرة كان كشف عنها بتوسع الزميل سلام مسافر في برنامجه "قصارى القول".
المصدر: RT