تفوقت الحضارة المصرية في مختلف المجالات، وحفظت للعالم صروحا لا مثيل لها، وحضارة مبدعة فريدة نقشت إنجازاتها وأعمالها وسيرتها على الحجر، وهي ماثلة حتى الوقت الراهن، تتحدث إلينا من عصور غابرة.
الأمر ذاته يسري على الجيش في مصر القديمة فقد تأسس كقوة نظامية ضاربة وأصبح على مدى قرون قوة كبرى ضاربة في إفريقيا وما يعرف في العصر الحديث بمنطقة الشرق الأوسط.
يؤكد خبراء متخصصون في الحضارة المصرية أن ظهور الجيش كان مبكرا في مصر القديمة، فيما يعود توحيد الجيش وتقويته إلى عهد الملك بيبي عام 3233 قبل الميلاد، حين تعاظمت قوة السلطة المركزية بالتزامن مع ازدياد الغارات القادمة من مناطق شرق الدلتا.
خلال التاريخ المبكر لمصر القديمة، لم يكن لدى مصر في العادة جيش محترف دائم، بل كان يتم تشكيل قوات من السكان متى دعت الضرورة ويجري تسليحها لمواجهة أي خطر قد يهدد الأراضي المصرية.
التكتيك الذي يتبعه الجيش المصري في ذلك التاريخ القديم، يتمثل في سحق العدو في أسرع وقت، والقضاء تماما على أي إمكانية لعودة مثل هذا التهديد.
أسلحة المحاربين المصريين القدماء كانت بسيطة مثل تنظيمهم العسكري وتكتيكاتهم. وكان الرماة مسلحين بأقواس بسيطة، وكانت سهامهم برؤوس حجرية أو من العظام، فيما تسلح آخرون بفؤوس أو خناجر أو رماح ذات نصل حجري، وكانوا مزودين بدروع من جلود البقر، ويحمون جذوعهم أيضا بأشرطة جلدية.
مع مرور الزمن أسس الفراعنة جيشا نظاميا دائما تجاوز عدده عشرات الآلاف، وكانت أسلحة أفراده عبارة عن فؤوس نحاسية ورماح وسكاكين نحاسية وخناجر حجرية. وجرى استخدام دروع مصنوعة من الخشب والجلد للحماية.
وضع المصريون أسسا لجيشهم في تلك العصور القديمة، وقاموا بإجراء تدريبات بدنية لأفراده، وحرصوا على مهارتهم بتدريبات على إطلاق السهام، علاوة على أسلحة الالتحام المباشر في ذلك العصر، واعتمدوا أيضا تراتبية ونظام انضباط صارما في تلك القوات.
القادة المصريون المحاربون القدماء أتقنوا فنون القتال، وكان الجيش المصري حين يؤمر باقتحام قلعة ما، يستخدم سلالم للهجوم موضوعة على عربات في قاعدتها.
الجيش المصري في المملكة الوسطى خلال الفترة من عام 2200 إلى 1700 قبل الميلاد، تطورت أسلحته، ومع اتقان الصناع المصريين لعمليات تعدين المعادن، اختفت تقريبا الأسلحة الحجرية من ترسانة الجيش.
طور الجيش المصري في تلك الحقبة أسلحة الرمي، وأدخلت تحسينات على الأقواس، وأصبحت السهام تطير أبعد وبدقة أكبر، وكان الرامي الجيد يصيب الهدف من بعد بين 160 إلى 180 مترا، فيما كان مدى الرمح يصل إلى 50 مترا.
الوحدات المقاتلة المصرية في تلك الفترة، كانت تتكون من 6 أفراد أو 40 أو 60 أو 100 أو 400 فيما يبلغ أكبرها 600، فيما كانت الكتائب تتكون ما بين الفي محارب إلى عشرة آلاف.
اعتنى المصريون القدماء بالمحاربين في جيشهم، وبأولئك الذين خدموا لفترات طويلة، وجرت مكافأتهم بمنحهم أراضي، كما كرموا القتلى من جيشهم، ويظهر ذلك في اكتشاف ما يوصف بأول مقبرة عسكرية في التاريخ في منطقة الدير البحري، ويعتقد أنها لأعداد كبيرة من الجنود المصريين القدماء الذين قتلوا أثناء تصديهم للهكسوس، وجرى دفنهم ولف الجثامين بأقمشة غالية.
في فترة المملكة الحديثة في مصر القديمة التي بدأت في عام 1560، كان الجيش المصري مزودا بالسيوف، فيما ظل القوس سلاحا رئيسيا، وحينها تم تحديث الدروع الواقية للمحاربين، وظهرت خوذات وسهام ورماح أكثر قوة، علاوة على بروز وحدات مزودة بعربات خشبية تسير على عجلتين ويقودها حصانان.
تطورت التشكيلات العسكرية في مصر القديمة في تلك الحقبة، وزاد النظام والانضباط، وتطورت الوحدات الخاصة بتموين الجنود بالطعام والماء والأسلحة، وكذلك الوحدات التي تعمل على إصلاح وسائل القتال.
اللافت أن الجيش في مصر القديمة لم يكن ينحصر دوره في القتال ضد الغزاة، بل كان أيضا يكلف بإرسال بعثات استطلاع إلى مناطق بعيدة وأخرى لاستخراج المعادن النادرة والمواد الضرورية للحياة في ذلك العصر. وكان طريق أفراد تلك البعثات يؤمن مسبقا بإمدادات المياه كي يعود أفراد الجيش المصري في وقت السلم، وقد انجزوا مهمتهم سالمين إلى ديارهم.
كما كان أفراد الجيش في مصر القديمة كما هو الحال عليه الآن، يكلفون بمشاريع البناء ذات الأهمية الاستراتيجية، علاوة على بناء الحصون والقلاع في مناطق الحدود وخاصة في الجنوب والتمركز هناك بشكل دوري حفاظا على أمن البلاد.
المصدر: RT