هذا المفاعل كان تم الانتهاء من بنائه بالتعاون مع فرنسا مع بداية الحرب العراقية الإيرانية في سبتمبر 1980، وبمشاركة خبراء ومتخصصين من هذا البلد وصل عددهم إلى 20 شخصا.
كان هذا المفاعل بقوة خمسمئة ميغاوات، وأقيم تحت الأرض بجوار مفاعل أبحاث صغير كان بني بمساعدة الاتحاد السوفيتي على أرضية مركز "تموز" النووي.
كان المفاعلان مستقلان تماما من ناحية الإجراءات الأمنية والحمائية، وكان يفصل بينهما حاجز خرساني ضخم، كان ينتظر أن يبدأ المفاعل الجديد عمله في يوليو 1981.
الاستخبارات الغربية كانت تروج لمعلومات تفيد بأن مفاعل "أوزيراك" الفرنسي سيسمح للعراق بإنتاج ما يصل إلى 10 كيلو غرام من البلوتونيوم المستخدم في صنع الأسلحة النووية سنويا، مفترضة أن المفاعل بهذا الشكل سيمكن بغداد بحلول عام 1985، من صنع 5 قنابل نووية، ما كان سيجعل من العراق الدولة الثانية بعد إسرائيل في هذا المجال.
قوات الدفاع الجوي العراقية التي تتولى حماية مفاعل "أوزيراك" النووي كانت في حالة تأهب في ذلك الحين من غارات محتملة قادمة من اتجاه الشرق، إلا أن الغارة المفاجئة أتت على حين غرة من الغرب.
مفاعل "أوزيراك" خلال الأشهر الثمانية الأولى للحرب العراقية الإيرانية، كان تعرض لعشر محاولات إغارة، تمكنت فيها طائرة "فانتوم" إيرانية مرة واحدة فقط من إلحاق اضرار جزئية بنظام التبريد الخارجي للمفاعل، فيما تمكنت نيران صواريخ الدفاع الجوي الكثيفة في مناسبات أخرى من تدمير الطائرات الإيرانية المغيرة.
العراق كان لديه بحلول منتصف عام 1981، 14 لواء دفاع جوي، ونحو ثلاثة فرق صواريخ مضادة للطائرات، اثنتان منها منفلتان، وكان في ترسانة قوات الدفاع الجوي العراقية العديد من طرازات الصواريخ المضادة للجو السوفيتية، علاوة على أكثر من 100 طائرة اعتراضية معظمها من صنع سوفيتي.
بهذا الشأن يروي مستشار عسكري سوفيتي متخصص في الدفاع الجوي كان في ذلك الوقت داخل محطة استطلاع وتحديد الأهداف في العراق، أن علامات كبيرة ظهرت على شاشة المركز، لكنها كانت قادمة من الغرب وليس من الشرق كما كان ينتظر.
الأهداف الجوية المجهولة لم تستجب لطلب تحديد "الصديق – العدو"، وبعد دقائق اختفت الأهداف تماما من شاشة الرادار نتيجة لتشويش إلكتروني.
المسؤول العراق عن مركز الرصد طلب الإذن للتحول إلى التردد الاحتياطي، كما تنص الإجراءات المتبعة في مثل هذه الحالات.
هرع الضابط إلى الهاتف واتصل بالضابط المناوب في مقر قيادة القوات الجوية وقوات الدفاع الجوي العراقية.
لاحقا ظهرت الأهداف الجوية المجهولة مجددا على شاشة الرادار، واقتربت ست طائرات من طراز "إف – 15" من مركز تموز النووي الذي تماثل مساحته ملعبا لكرة القدم.
دوى أول انفجار، وارتجت المنطقة بأكملها، وبعد دقيقة تكررت الانفجارات. الطائرات المغيرة نفذت منعطفا حادا على مسافة 6 كيلو مترات، ومضت في التناوب في الاتجاه المعاكس.
عقب الحصول على الضوء الأخضر للانتقال إلى "التردد الاحتياطي"، اكتشف مركز رصد الأهداف الجوية أكثر من 10 اهداف جوية معادية، وعلى الفور أطلق مشغلو منظومات الدفاع الجوي العراقية الصواريخ في الجو، لكن من دون جدوى وذلك لأن الطائرات المغيرة حينها كانت بعيدة عن مرمى النيران.
انطلقت المقاتلات العراقية لاعتراض الطائرات المغيرة لكنها لم تتمكن من اللحاق بها، وبعد عشر دقائق، نزل على المكان صمت رهيب.
الإسرائيليون شكلوا مجموعتين جويتين لتنفيذ الغارة على المفاعل النووي العراقي، الأولى ضاربة تتكون من 6 طائرات "إف – 15"، تحمل قنابل زنة 900 كيلو غرام، وثانية تقوم بالتغطية على الأولى وتضم 8 مقاتلات من طراز "إف – 16"، قطعت مسافة استغرقت ساعتين ونصف من قاعدتها إلى الهدف.
الطائرات الإسرائيلية المغيرة حلقت على ارتفاعات منخفضة جدا تتراوح بين 40 إلى 100 متر، وفي حالة من الصمت اللاسلكي التام، مع خزانات وقود إضافيةـ في تشكيل خاص تظهر من خلاله على شاشات الرادار كما لو أنها طائرة مدنية ضخمة على سكل "نقطة كبيرة".
تناوبت الطائرات الإسرائيلية المغيرة على قصف المفاعل النووي العراقي بفاصل 15 ثانية، فيما تم تزويد القنابل بمظلات كبح، علاوة على تجنيد الموساد لعدد من الخبراء الفرنسيين العاملين في المفاعل، وهؤلاء قاموا بزرع شرائح راديو تؤمن دقة ضرب الهدف.
الطائرات الإسرائيلية أسقطت على "أوزيراك" ست قنابل استهدفت قلب المفاعل، لم تنفجر اثنتان منها، إلا أن القنابل الأربعة الأخرى كانت كافية لتحويل المفاعل إلى ركام.
المصدر: RT