إيلي كوهين كان وُلد في مدينة الإسكندرية بمصر في عام 1924 لأسرة يهودية بثمانية أطفال، لجأت إلى هناك من حلب السورية.
تصف المصادر الإسرائيلية أسرة كوهين بأنها لم تكن غنية بما يكفي، لكنها كانت قادرة على تأمين أبنائها بتربية "يهودية تقليدية وتعليم علماني جيد".
غادر والدا إيلي كوهين مصر إلى إسرائيل في عام 1949، فيما بقي هو بغرض إكمال دراسته على الرغم من أنه كان قد طرد من الجامعة على خلفية "أنشطته الصهيونية".
كان كوهين الابن كما تقول الرواية الإسرائيلية ضمن خلايا للسباب اليهودي تعمل تحت الأرض، إلا أنها اكتشفت في عام 1954، وجرى اعتقال إيلي كوهين لعلاقته الوثيقة بسامي عيزر الذي قبض عليه قبل ذلك قبل أن يطلق سراحه بادعائه أنه كان فقط يستأجر شقة من صديقه عيزر، ولم يكن على علم بما يجري من أنشطة مريبة.
بعد عامين، فر كوهين الابن من مصر إلى إسرائيل، وانضم هناك على الفور للعمل في "الوحدة 188" التابعة للاستخبارات العسكرية الإسرائيلية "أمان"، التي كانت تنفذ عمليات خاصة في الدول العربية، ولذلك فصل إيلي كوهين عن العملاء الميدانيين حتى لا تكتشف هويته من قبل الاستخبارات المصرية المضادة.
ترك إيلي كوهين السلك العسكري وعمل في مجال المحاسبة، إلا أنه في عام 1959 تقرر اعتباره المرشح الأنسب لتنفيذ مهمة سرية خاصة يصل بمقتضاها إلى المؤسسات القيادية السورية العليا.
اجتاز كوهين الابن تدريبا خاصا استغرق نحو عام، وأرسل العميل مطلع عام 1961 إلى الأرجنتين تحت ستار رجل أعمال ثري من أصل سوري يدعى كامل أمين ثابت، وهناك نسج علاقات بقضائه أوقاتا طويلة في المقاهي والنوادي العربية، وتصادف أن تعرف على "أمين الحافظ"، الملحق العسكري في السفارة السورية في الأرجنتين، والعسكري الطموح الذي أصبح في وقت لاحقا رئيسا لسوريا.
عقب ذلك سافر الجاسوس الإسرائيلي إلى أوروبا "كممثل لشركة بلجيكية"، وانتقل في لبوس " كامل أمين ثابت" إلى هدفه الرئيس دمشق في عام 1962، باعتباره قوميا سوريا ورجل أعمال سخي.
استأجر شقة مقابلة تماما لمبنى هيئة الأركان العامة للجيش السوري، وبدأ على الفور في إقامة حفلات صاخبة يحضرها عسكريون سوريون.
كان الجاسوس الإسرائيلي يسجل كل ما يتفوه به هؤلاء من أحاديث "ما كان لها أن تجري خارج أسوار وزارة الدفاع السورية".
علاوة على ذلك، كان كوهين يرصد ما يجري من أحداث من خلال مراقبته اللصيقة لسيارات المسؤولين العسكريين السوريين التي تصل او تغادر هيئة الأركان العامة، ثم يرسل بواسطة جهاز لاسلكي عشرات البرقيات المشفرة بالمعلومات التي حصل عليها إلى إسرائيل، وخاصة عن وصول أسلحة سوفيتية، والخطط العسكرية، ومواقع مستودعات الأسلحة، وكذلك "الحالات المزاجية للمسؤولين الرفيعين والصراعات داخل القيادة العسكرية السورية".
المصادر الإسرائيلي تسجل لكوهين أنه زود تل أبيب بالمعلومات عن مشروع السوريين لتحويل المصادر المائية التي تغذي نهر الأردن بهدف استنزاف مخزونات المياه الرئيسة المتمثلة في بحيرة طبريا.
يقال في هذا الشأن أن إيلي كوهين، زود الموساد برسومات وخطط هذا المشروع الذي أقره السوريون في عام 1964، ما سمح للقوات الجوية الإسرائيلية بتعطيله ووقفه.
الاستخبارات السورية تمكنت من إيقاف "هذا العبث"، فيما يصف مصدر إسرائيلي اكتشاف كوهين وانتهاء مهمته الذي لم تتجاوز الثلاث سنوات بـ"لكارثة".
قبل ذلك بنهاية عام 1964، سافر إيلي كوهين إلى إسرائيل، وحينها وُلد له ابن هناك، وعاد إلى سوريا في هذه الرحلة الخامسة من نوعها والأخيرة.
اقتحم ضباط مكافحة التجسس شقة إيلي كوهين، وعثروا في مخابئ بداخلها على متفجرات وجهاز إرسال لاسلكي، وتبينوا لاحقا أن الهدف، ضابط في الاستخبارات الإسرائيلية.
لم يكن عمل إيلي كوهين يصول ويجول في سوريا بمثل تلك السهولة التي تتحدث عنها الكثير من المصادر الإسرائيلية بهدف "ترسيخ الأسطورة".
في تلك المرة الخامسة الأخيرة، تردد الجاسوس الإسرائيلي كثيرا في العودة إلى دمشق، لأنه كان يتخوف من رئيس الاستخبارات السورية أحمد سويداني، الذي لم يبتلع الطعم ولا يثق به.
حكم الإعدام شنقا في إيلي كوهين نفذ ليلة 18 مايو 1965، في ساحة المرجة بدمشق، وبقيت جثته معلقة هناك لمدة سبع ساعات، وانتهت المغامرة الرئيسة لتبدأ منها قصة أخرى طويلة دارت حول البحث عن جثمانه لاستعادته.
لم تنجح المحاولات التي قامت بها وزارة الخارجية الإسرائيلية بقيادة غولدا مائير لوقف عملية إعدامه، ولم تجد الجهود التي بذلتها حكومات فرنسا وبلجيكا وكندا وحتى بابا الفاتيكان بولس السادس في إنقاذ كوهين من حبل المشنقة، بل وطرحت لاستعادته قبل إعدامه، عروضا"سخية" لتبادل الأسرى، وحتى دفع فدية "ضخمة بمقاييس ذلك الوقت" قدرها خمسة ملايين دولار.
عقب الإعدام، وبعد مرور خمس سنوات، حاول عملاء الاستخبارات الإسرائيلية سرقة جثمان إيلي كوهين بهدف إعادة دفنه في إسرائيل، إلا أن العملية باءت بالفشل.. يعتقد إسرائيليون أن السوريين إثر ذلك "أخفوا الرفات في مخبأ عميق في مكان ما داخل وحدة عسكرية في دمشق، أو ربما أحرقوه".
المصدر: RT