وجد البحارة المصريون أنفسهم في عام 1956 في مواجهة أساطيل قوتين بحريتين كبيرتين وعريقتين علاوة على إسرائيل هما بريطانيا وفرنسا، ومع ذلك دخلوا المعركة وقاتلوا ببسالة وندية، أساطيل مدعومة بحاملات الطائرات وبأحدث الأسلحة في ذلك الوقت.
استماتة القوات البحرية المصرية والتي كانت مزودة في الأساس بسفن وقوارب قديمة من بقايا الحرب العالمية الثانية، تظهر بجلاء في تفاصيل تلك المعارك بروايات الخصوم على الرغم من حرصهم على الالتفاف حولها تارة وتجاهلها والتقليل من شأنها تارة أخرى.
كان الأسطول الحربي المصري في ذلك الوقت متواضع التسليح وكانت بحوزته سبع فرقاطات وعشر كاسحات ألغام وسفينة إنزال واحدة، وعدة قوارب وزوارق وسفن مساعدة.
ملحمة الفرقاطة المصرية دمياط:
المعركة التي خاضتها الفرقاطة دمياط في 31 أكتوبر 1956 توصف بأنها الأقل شهرة والأكثر بطولة ومأساوية، وهي كذلك بالفعل.
في ذلك الوقت وقبل بدء الهجمات الجوية المشتركة البريطانية والفرنسية، وجدت الفرقاطة المصرية دمياط نفسهما في مواجهة قوتين بحريتين كبيرتين من طرادات ومدمرات بريطانية وفرنسية كانت مكلفة بالقيام بعملية إنزال مساعدة في السويس، إلا أنها ألغيت كما يزعم بسبب "نقص القوات ومعدات الإنزال"، ولم يكن المصريون على علم بوجود تلك القوة البحرية الكبيرة.
كان للقاعدة البحرية والقلعة المصرية في شرم الشيخ في أقصى جنوب شبه جزيرة سيناء أهمية كبرى في السيطرة على حركة الملاحة في اتجاه خليج العقبة، ومع بدء العمليات العسكرية، قرر المصريون إرسال تعزيزات إلى هناك، وأبحرت الفرقاطة دمياط بعد ظهر يوم 31 أكتوبر من السويس، وعلى متنها فصيلة مشاة تتكون من حوالي 25 شخصا.
في ذلك الوقت كانت مجموعة من السفن الحربية البريطانية يتقدمها الطراد "نيوفاوندلاند" والمدمرة "ديانا"، تتواجد في البحر الأحمر جنوب السويس، علاوة على قوة بحرية فرنسة تتكون من فرقاطتين وكاسحة ألغام.
كانت المجموعة البحرية البريطانية تتحرك على طول خليج السويس الضيق في شمالا في اتجاه السويس، ومع حلول الظلام على بعد 8 أميال جنوب السويس، رصد الطراد البريطاني "نيوفاوندلاند" سفينة مطفأة الأضواء تسير في مسار مقابل.
مع تقلص المسافة مع السفينة المجهولة، طالب الطراد عن طريق إشارات الراديو والأضواء منها أن تعرف بنفسها، أو تفتح عليها النيران.
الفرقاطة المصرية دمياط، لم تستجب، وضاعفت من سرعتها وحاولت التسلل، فبدأ الطراد البريطاني في إطلاق النار.
على الرغم من التفوق الساحق لقوات الخصوم، ردت "دمياط" بإطلاق النار من مدفعيها عيار 102 ملم وتمكنت في بضع دقائق من إصابة الطراد البريطاني بقذيفتين. قتل، بحسب الرواية الرسمية، شخص واحد من طاقم الطراد البريطاني "نيوفاوندلاند" وأصيب خمسة آخرون.
أصيبت الفرقاطة المصرية في نلك المعركة غير المتكافئة بعدة قذائف من عيار 152 ملم، وتعطلت تماما، بما في ذلك تدمير جسرها وغرفة القيادة.
لم ينته الأمر عند هذا الحد، بل واشتعلت النيران في السفينة الحربية المصرية وخرجت عن مسارها وهي تتمايل.
توقف الطراد البريطاني "نيوفاوندلاند" عن إطلاق النار واقترب من السفينة المصرية المعطوبة والمحترقة، إلا أن قائد المدمرة البريطانية "ديانا" المصاحبة رأى أن الفرقاطة المصرية تفسح المجال لتتقدم وتصدم الطراد، فأمر بفتح النار من مدافع 114.5 ملم، فانطلق وابل من النيران من مسافة قريبة، وانقلبت "دمياط" وغرقت بسرعة حوالي الساعة الواحدة والنصف من صبيحة 1 نوفمبر 1956.
انتشلت السفن البريطانية 69 بحارا مصريا من الماء، واستشهد 56 آخرون على ظهر السفينة من بينهم قائدها محمد شاكر حسن و5 ضباط آخرين.
بذلك انتهت تلك المعركة التي توصف بأنها الأخيرة التي يتم فيها إغراق سفينة كبيرة في معركة كلاسيكية بالمدفعية.
واصلت البحرية المصرية القتال رغم تفوق الخصوم، ونقلت المعركة إلى البحر المتوسط، حيث غادرت مساء 1 نوفمبر 1956 المدمرة "نصر" والفرقاطة "طارق" الإسكندرية، وفي الساعة الخامسة فجرا رصدتها طائرات دورية كانت انطلقت من حاملة الطائرات الفرنسية " أرومانش".
تعرضت السفينتان المصريتان لغارات جوية قبل أن تقترب من السفن المعادية، وخُيل للطيارين أنهم أصابوا المدمرة المصرية وأن النار اشتعلت بها، في حين أن المصريين أطلقوا حاجزا من الدخان وعادوا تحت هذا الغطاء إلى الإسكندرية من دون أن يتعرضوا لأي ضرر.
أربك الأسطول الحربي المصري بجرأته واندفاعه إلى الهجوم البحارة البريطانيين والفرنسيين وشل قدرتهم على الترف السليم، وفي صبيحة اليوم التالي 2 نوفمبر، رصدت طائرتان من حاملة الطائرات الفرنسية "لافييت" بالرادار قاربا سريعا وقامتا من دون تردد بمهاجمته على الفور، وأبلغتا أنهما نجحتا في إغراقه.
تبين لاحقا أن الهدف كان غواصة فرنسية تدعى "لا كريول" كانت متوقفة على السطح مع برج مخادع بارز فوق الماء. بعد تعرضها لنيران صديقة، غرقت وابتلعها البحر.
العدوان الثلاثي ولعنة البحر الأحمر:
فيما يشبه اللعنة، شهد مساء اليوم الثالث من 3 نوفمبر حادثا مشابها قامت خلاله ثماني طائرات إسرائيلية من طراز "داسو ميستير" بمهاجمة ما اعتقد أنها سفينة حربية مصرية جرى رصدها في البحر الأحمر على بعد 8 أميال بحرية شمال شرم الشيخ.
هاجمت أربع طائرات إسرائيلية كانت في الطليعة الهدف بالصواريخ وشاهد الطيارون النيران تشتعل بها قبل أن تنشطر قسمين وتغرق.
قيل لاحقا أن الهدف الذي تم إغراقه يتمثل في سفينة شحن تابعة للبحرية المصرية تدعى "عايدة"، إلا أن هذه السفينة غرقت في وقت لاحق في 15 سبتمبر 1957 بالبحر الأحمر في حادث عارض.
اللافت أن القسم الثاني من السرب الإسرائيلي الذي أغرق هذا الهدف المجهول، أغار على سفينة أخرى ظن أنها مصرية وأطلق عليها وابل من النيران وتبين لاحقا أنها السفينة البريطانية "كرين"، وأن الطيارين الإسرائيليين لم يروا العلم البريطاني الكبير الذي كان مرسوما على متنها.
المصدر: RT