ينص ظاهر ذلك "المبدأ " الشهير الذي كان سلمه الرئيس الأمريكي جيمس مونرو إلى الكونغرس في 2 ديسمبر 1823 على المناداة بضمان "استقلال جميع دول نصف الكرة الغربي ضد التدخلات الأوروبية".
من حيث الجوهر، ينص مبدأ مونرو على منع الدول الاوربية من إقامة مستعمرات جديدة في الأمريكيتين، والعمل على وقف توسع المستعمرات القائمة بالقرب من حدودها.
أسطع مثال على حقيقة "مبدا مونرو" والأساليب الامريكية المماثلة، يظهر في سيناريو الصراع مع إسبانيا ثمانينيات القرن 19 بدءا من شن حملة إعلامية واسعة تصورها كعدو "وحشي دموي" ودولة "مضطهدة للحرية"، ومن ثم تشجيع السكان المحليين على التمرد والثورة وتقديم الدعم لهم، وتحين الفرصة لطرد هذا العدو من مستعمراته، والحلول مكانه!
مهدت واشنطن في ذلك الزمن البعيد للحرب ضد إسبانيا بهدف انتزاع المستعمرات في كوبا والفلبين وبورتوريكو.
كانت واشنطن قد أعدت في نهاية القرن التاسع عشر خطة لتوسع هائل في بلدان يمكنها أن تقوم بدور قواعد للمواد الخام والأسواق. تلك المستعمرات الإسبانية في منطقة البحر الكاريبي وجنوب شرق آسيا كان ينطر إليها على أنها نقطة انطلاق لتوسيع الاحتكارات الأمريكية في اتجاه الشرق وأمريكا اللاتينية، ولذلك كانت القواعد العسكرية في كوبا ضرورية لحماية الطرق البحرية.
قرع طبول الحملة الإعلامية:
إسبانيا لم تكن راغبة في خوض حرب مع الولايات المتحدة. كانت ضعيفة ولا حلفاء لها. امتلأت الصحافة في حملة أمريكية واسعة بقصص عن "وحشية" المستعمرين الإسبان، فيما جرى في الوقت نفسه، دعم ثورات "التحرير الوطني" التي قوضت الحكومة الحالية وفتحت أبواب التدخل الأمريكي الذي تم التمهيد له بتغلغل مسبق لرأس المال الأمريكي.
بحلول نهاية القرن التاسع عشر، سيطرت الشركات الأمريكية في كوبا كل إنتاج السكر الخام والتبغ تقريبا. من خلال دعم المتمردين المحليين بالسلاح، كانت واشنطن تأمل في أن تتسلم السلطة السياسية من أيدي الثوار المنتصرين، إلا أن الحاكم العام الإسباني للجزيرة قمع التمرد بوحشية، وما كان أمام الولايات المتحدة من سبيل للسيطرة على كوبا إلا الدخول في حرب مباشرة مع إسبانيا.
الاستفزاز والسعي إلى ذريعة للحرب:
لم يكن لدى الولايات المتحدة سبب رسمي للهجوم على إسبانيا، وكان لا بد نهاية يناير 1898 من خلق ذريعة للصراع مع إسبانيا عن طريق الاستفزاز.
أرسل الأمريكيون الطراد "يو إس إس مين" إلى المياه الكوبية، وسوقوا للعملية بالقول إنها زيارة سلمية وودية. سمحت إسبانيا، تخوفا من تفاقم الأوضاع مع الولايات المتحدة، للسفينة الحربية الأمريكية بدخول مياه هافانا.
الذريعة لم تتأخر! وقع حادث مأساوي وغامض في 15 فبراير 1898، انفجر الطراد الأمريكي "مين" وغرق، ما أودى بحياة حوالي 261 بحارا أمريكيا.
مصادفات غريبة تسير في ركاب الولايات المتحدة:
اللافت أن مصادفة غريبة جرت في هذا الحادث المأساوي، كان جميع الضباط في لحظة الانفجار على الشاطئ، وكان كل القتلى من البحارة من أصول إفريقية.
جميع الأدلة أشارت إلى أن الانفجار انطلق من داخل السفينة، إلا أن الولايات المتحدة أصرت على أن لغما بحريا كان السبب وألقت باللوم على إسبانيا. في ذلك الحين لم يكن لدى الإسبان أي سبب لبدء الحرب، لكن الولايات المتحدة حصلت على حجة مناسبة.
الطراد "مين" كان يعد سفينة قتالية غير ناجحة. شطره الانفجار إلى نصفين وغرق بسرعة. لم تطفو في مكان الحادث أسماك نافقة، ما كان سيشير إلى حدوث انفجار تحت الماء.
حطام الطراد الذي تم رفعه في عام 1910 أكد الأمر. لم يدمر السفينة الحربية الأمريكية لغم أو طوربيد، كما واستبعد أيضا احتمال انفجار الغلايات البخارية. بقي التحقيق سريا حتى عام 1911، وحينها تم إتلاف الأدلة.
لجنة أمريكية وصلت إلى هافانا للتحقيق في حادثة عام 1898، وسارعت إلى الإعلان بأن "الإسبان الخائنين فجروا طرادنا بلغم"، وبدأت بعدها الاستعدادات للحرب. وتداولت الصحافة الأمريكية شعارا يقول: "فلنتذكر مين!".
طالبت الولايات المتحدة إسبانيا في 19 أبريل 1898 بالتخلي عن كوبا، وبدأت في نفس الوقت في حشد المتطوعين ونشر الأسطول. شرع الأمريكيون في اعتراض السفن الإسبانية في منطقة البحر الكاريبي، فيما جرى في 22 أبريل، إعلان الحرب رسميا.
القتال الرئيس جرى في البحر، وكانت القوات البحرية الإسبانية ضعيفة وبأسلحة عتيقة، وينقصها التدريب والخبرة القتالية. تمكن الأمريكيون من إلحاق هزائم ثقيلة بالأسطول الإسباني في كوبا والفلبين، كما هزمت قواتها البرية في كوبا وبورتوريكو، وفقد الإسبان أكثر من ألفي قتيل، وسقط في المعارك من الجانب الأمريكي حوالي 500 عسكري.
استسلمت إسبانيا، في 13 أغسطس 1898، وبموجب شروط معاهدة باريس لـ"السلام"، نقلت السيطرة على الفلبين وبورتوريكو وجزيرة غوام إلى الولايات المتحدة، فيما تلقت مدريد تعويضا قيمته 20 مليون دولار!
شكليا تم إعلان كوبا دولة مستقلة، إلا أنها في واقع الأمر أصبحت تابعة للولايات المتحدة، وظهرت قاعدة عسكرية أمريكية في خليج غوانتانامو، ما تغير تمثل في استبدال المستعمر الإسباني بالأمريكي. وهذا المبدأ لا يزال يعمل! ولا تزال الولايات المتحدة تتحين الفرص وتخلق الذرائع للتخلص من خصومها بشعارات براقة.
المصدر: RT