حسابات الحقل والبيدر، عبارة تتكرر كثيرا هذا العام عند الحديث عن القمح السوري، فالتقديرات التي كانت تطمح إلى ما يتجاوز مليون طن من القمح، لن تتجاوز في الواقع 400 ألف طن، حسب أكثر التقديرات تفاؤلا.
إنه الجفاف، كما يقول مسؤولون، ومنذ أن بدأ يتضح أن "حسابات البيدر" ستكون أقل بكثير مما كان مخططا، وسبق أن أعلن وزير الزراعة، حسان قطنا، أن الجفاف هذا العام كان شديدا، ولم يمر على سوريا مثله، وأضاف الوزير فيما بدا وكأنه نعي للتوقعات من "عام القمح"، أن معظم المساحات المزروعة بعلا خرجت من الاستثمار.
جاء ذلك بعد حملة كبيرة من التشجيع على زراعة القمح، كان بينها الدعوة إلى زراعة "كل متر في البيت أو الحديقة" أملا بتجاوز الأزمة.
ويضاف الجفاف إلى عوامل أخرى تشهدها البلاد منذ سنوات وتجعلها تعيش حالة من الندرة في توافر القمح، بعدما كانت الصوامع ملأى وتكفي لنحو خمس سنوات على الأقل.
ربع الحاجة
لا يوجد حتى الآن تقدير رسمي لمحصول القمح، خاصة أن عمليات التسويق ما زالت مستمرة، إلا أن الفجوة ستكون كبيرة بين الإنتاج والحاجة، (المقدرة بنحو مليوني طن)، وكذلك بين معطيات العام الحالي مقارنة حتى بالأرقام المتواضعة للعام الذي سبقه، والمقدرة بنحو 700 ألف طن.
ولم يعلق مسؤولون على الرقم الذي أعلنه رئيس اتحاد الفلاحين أحمد صالح، الذي قال قبل أيام لصحيفة البعث إن كميات القمح المستلمة كانت تقدر بنحو 237 ألف طن.
وفي اتصال مع RT أوضح صالح أن ذلك الرقم متغير بشكل يومي، وحول توقعاته لمحصول العام الجاري قال إنه قد يتراوح بين 350 إلى 400 ألف طن، وهو ما يعادل أقل من ربع حاجة البلاد.
موسم "ضعيف"
أرقام لا يعلق عليها المدير العام للمؤسسة العامة لتجارة وتسويق الحبوب، يوسف قاسم، ويقول لـ RT إن الموسم ما زال في ذروته، ويمكن الحديث عن نتيجته في نهاية الموسم.
ويشير مدير المؤسسة المعنية باستلام المحصول من الفلاحين إلى أن عمليات الشراء من الفلاحين مستمرة، وأن المؤسسة تسعى لاستلام كل ما يرد إليها"
ويصف يوسف قاسم موسم العام الحالي بأنه "ضعيف"، أو سيء، نتيجة "انحباس الأمطار وإغلاق نهر الفرات وانقطاع المحروقات عن سوريا، وضائقة كبيرة وعدم تأمين السماد بشكل كامل"، إلا أنه يؤكد أن لا خطر على رغيف الخبز "فالحلول البديلة موجودة"، ويقول قاسم إن "البلاد مرت بأزمة منذ عدة سنوات، وبحرب كونية على سوريا، والحمد لله المادة الوحيدة التي لم تنقطع هي مادة الخبز، وليس من المعقول بعد الانفراجات الكبيرة الآن أن نصل إلى خطر أو انقطاع بمادة الخبز، الرغيف مصان ومؤمن بشكل جيد ولا خطورة"
مدير الإنتاج النباتي في وزارة الزراعة أحمد حيدر قال لـ RT إن المساحات المزروعة قمحا بلغت مليونا ونصف المليون هكتار، نصفها مروي، والآخر يعتمد على الأمطار (بعل)، وتزيد هذه المساحات عن العام السابق بنحو 120 ألف هكتار، ومعظم المساحات الزائدة كانت في الزراعة البعلية.
ويقول حيدر إن أكثر من 90 في المئة من المساحات المزروعة بعلا فُقدت، ورغم أن تقديرات إنتاجها كانت جيدة، وتجاوب المزارعين كان كبيرا، إلا أن الإنتاج فيها كان بالحدود الدنيا نتيجة التغيرات المناخية والجفاف، وتوقف الأمطار تماما وانقطاعها منذ منتصف مارس، وخاصة في مناطق زراعة القمح، إضافة إلى سوء توزع الأمطار بالنسبة للزراعة المروية خلال موسم النمو.
الاعتماد الأساسي عل الزراعة المروية، يقول حيدر، لكن تلك الزراعة تأثرت نتيجة قيام تركيا بخفض تدفق المياه إلى نهر الفرات، وخروج بعض المساحات المروية في دير الزور خاصة، وكذلك في الرقة
الأسعار؟
بدأت سوريا تعاني أزمة في القمح، وبالتالي تعاني تهديدا للأمن الغذائي فيها منذ سنوات، وخاصة بعد خروج مساحات، كبيرة كانت المصدر الرئيسي للقمح، عن السيطرة الحكومية، خاصة في الحسكة التي يتركز فيها أكثر من ثلث المساحات المزروعة بالقمح.
يضاف إليها المنطقة الشمالية من حلب والرقة، وهي مساحات واسعة، وغير آمنة حاليا، كذلك المناطق الشمالية من سهل الغاب وشمال حماة ومناطق في إدلب، كلها مناطق خارج السيطرة الحكومية.
"هذه مناطق نخسر إنتاجها مع الأسف، وتشكل طيفا كبيرا من المساحة المزروعة" يقول حيدر، ويضيف أن الرهان الآن على زيادة المساحة ضمن المناطق الآمنة، وقد تحقق ذلك لكن الظروف المناخية والجفاف أثرت على الإنتاج"
عملت أزمات أخرى على مفاقمة أزمة القمح، كندرة المحروقات وارتفاع أسعارها، إضافة إلى ارتفاع أسعار كل مستلزمات الزراعة، خاصة الأسمدة.
ندرة القمح، والتنافس في الحصول على الكميات القليلة منه، أظهرت ثلاثة أسعار للقمح في سوريا حسب نوع السيطرة:
في المناطق التي تسيطر عليها "الإدارة الذاتية" شمال شرق سوريا تم تحديد سعر 1150 ليرة لكل كيلو، بينما حددت الحكومة السورية سعر 900 ليرة للكيلو، أما في المناطق التي تخضع لسيطرة "حكومة الإنقاذ" في إدلب فقد تم تحديد السعر بالدولار، وبمعدل 300 دولار لكل طن من القمح. (الدولار يعادل وسطيا 3100 ليرة سورية)
هل للسعر دور في المنافسة؟
يقول قاسم إن موضوع السعر هو عامل مشجع للاستمرارية، لكن عمليا ليس هناك إنتاج جيد، وهذا بصرف النظر عن السعر، وبالتالي فإن الجميع لم يتسوقوا كميات جيدة، "لا نحن تسوقنا كميات جيدة ولا الميليشيات المسلحة التي منعت الفلاحين من الوصول إلى مراكز المؤسسة وأجبرتهم على اللجوء إلى مراكزها، تسوقت كميات كبيرة، كون الموسم سيء جدا في الحسكة هذا العام"، كما يقول قاسم.
ويصف قاسم السعر الذي حددته الحكومة بأنه "غير كاف مقارنة بتكاليف المعيشة، لكنه مجز مقارنة بتكاليف الإنتاج".
وعن أكثر المحافظات من حيث التسويق يقول قاسم إن حماة تأتي بالدرجة الأولى، تليها حلب.
أرقام:
حسب إحصاءات وزارة الزراعة بلغت مساحة المناطق المزروعة قمحا في حماة نحو 23 ألف هكتار مروي، وأقل بقليل من 25 ألف هكتار بعلا وتعادل 200 في المئة من الخطة المقررة في المحافظة.
وعن واقع المحصول في منطقة الغاب في المحافظة، نقلت صفحة وزارة الزراعة عن مدير الهيئة العامة لإدارة وتطوير الغاب، أوفى وسوف، أنه تم تنفيذ نحو 46 ألف هكتار من الخطة المقررة البالغة أكثر من 62 ألف هكتار، وأشار إلى أن "بعض المناطق كانت خطرة ومتاخمة للمجموعات الإرهابية"، وأن العام الحالي كان "مميزا بارتفاع درجات الحرارة التي أثرت على كمية الإنتاج ونوعية الأقماح المنتجة"
بينما زرع في حلب نحو 172 ألف هكتار، منها 106 هكتارات مروية.
وكانت المساحات البعلية القابلة للحصاد في حلب 25 ألف هكتار، وهي أقل من نصف المساحات المزروعة، ما يعني خروج نحو 40 ألف هكتار عن الحصاد نتيجة التغيرات المناخية وارتفاع الحرارة وانحباس الأمطار.
.. وآخرها الجفاف
ووسط تراجع اقتصادي ترك آثاره على كل مناحي الحياة، ورفع تكاليف الإنتاج، مع ندرة في متطلبات الزراعة من سماد ومحروقات، تتوالى تباعا الحوادث التي تؤدي إلى مزيد من التقلص في قمح سوريا:
من خروج مساحات كبيرة من الأراضي، إلى الحرائق التي طالت سنابل القمح العام الماضي قبل حصادها، إلى الشاحنات الأمريكية التي تغرف مما تبقى من محصول وتغادر (كما ذكرت وكالة سانا مرارا)، وصولا إلى جفاف جعل "عام القمح" أسوأ المواسم.
ولا يبقى سوى التعويل على الاستيراد مجددا .. واستمرار مشاهد الطوابير أمام الأفران وتوزيع الخبز مقننا بالحصص ومقدرا بالرغيف.
المصدر: RT
أسامة يونس