الحزب القائد
منذ بداية عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد، وحتى اليوم صدر في سوريا دستوران، ويعود ذلك لحالة الاستقرار السياسي التي عاشتها البلاد، واستمرت حتى عام 2000 ثم امتدت بعد رحيل حافظ الأسد، وإن شابتها بعض التوترات، عقدا كاملا في عهد الرئيس الحالي بشار الأسد، الذي بدأت بلاده تواجه أزمة داخلية منذ 2011، وكان في صلب المطالب آنذاك تعديل المادة الثامنة من الدستور الدائم لعام 1973، التي كانت تحصر السلطة السياسية في حزب البعث، وتقول:
"حزب البعث العربي الاشتراكي هو الحزب القائد في المجتمع والدولة، ويقود جبهة وطنية تقدمية تعمل على توحيد طاقات جماهير الشعب ووضعها في خدمة أهداف الأمة العربية".
أبرز الدساتير السورية
كل تغيير سياسي كان يستدعي تغيير الدستور، أو تعديله، وكان التغيير أو التعديل مؤشرا على عمق التحولات السياسية، ورغم تعدد الدساتير السورية إلا أن أبرزها كان دستور 1950، ثم "دساتير البعث" وأبرزها دستور عام 1973، الذي حمل وحده دون غيره في دساتير سوريا لقب "الدائم"، وهو الذي استمر نحو 39 عاما، (منذ 1973 وحتى 2012) وهي أطول فترة في تاريخ سوريا الحديث لدستور دون تعديل جوهري (عُدلت فيه مادة تتعلق بسن رئيس الجمهورية عام 2000).
ومنذ 1920 بداية التشكل المستقل للدولة السورية عن السلطنة العثمانية، بقي شكل الحكم، وآلية انتقال السلطة، إضافة إلى علاقة الدين بالدولة من أبرز ما تم التركيز عليه ومناقشته.
أول دستور
لم يكتب لدستور الملك فيصل (وهو أول دساتير الدولة الفتية عام 1920) أن يستمر طويلا، إذ سرعان ما تعرضت البلاد للاحتلال الفرنسي، إلا أن ذلك الدستور ثبت في المادة الأولى أن:
"حكومة المملكة السورية العربية حكومة ملكية مدنية نيابية عاصمتها دمشق الشام ودين الملك الإسلام"
وهو ما أخذه الملك عن الحقبة العثمانية التي كانت تربط بين الدين والسلطة، واستمرت هذه المادة في جميع الدساتير السورية اللاحقة، وكانت تأتي دوما ضمن المادة الثالثة. (شهد مجلس الشعب السوري قبل إقرار الدستور الحالي اعتصاما كان موجها بشكل خاص ضد المادة الثالثة من الدستور التي كانت تنص على أن الإسلام هو دين الدولة).
كذلك حرص الملك فيصل على أن يحصر "ملك المملكة السورية في الأكبر فالأكبر من أبناء الملك فيصل الأول" كما ضمن الدستور حرية المعتقد، وإن كان أشار صراحة إلى "الطوائف" في سياق حريتها في إقامة حفلاتها الدينية.
دستور 1928
مع تعطيل دستور فيصل، بدأت فرنسا تحضر البلاد لدستور جديد، وتم تشكيل "جمعية تأسيسية" لوضعه، إلا أن ذلك الدستور لم ير النور أيضا إذ عطلته فرنسا بعدما طالبت بتغيير مواد تتعارض مع الاحتلال، وهو ما تحقق في دستور 1930 الذي كان نسخة عن دستور 1928 الذي منح صلاحيات لمجلس النواب، وضمن الحريات، إلا أنه احتوى مادة فرضتها سلطات الاحتلال وتقول:
"ما من حكم من أحكام هذا الدستور يعارض، ولا يجوز أن يعارض، التعهدات التي قطعتها فرنسا على نفسها فيما يختص بسوريا لا سيما ما كان منها متعلقاً بجمعية الأمم" (المادة 116).
وهي المادة التي ألغيت من دستور 1930، بعد جلاء الفرنسيين عن سوريا عام 1946، وأعيد العمل بدستور 1928، الذي كان ينص على أن:
"البلاد السورية جمهورية نيابية، دين رئيسها الإسلام، وعاصمتها مدينة دمشق".
وبقي جوهر تلك المادة في دستور 1930
دستور الاستقلال 1950
سريعا دخلت البلاد مرحلة الانقلابات العسكرية الدامية، منذ الانقلاب الأول في تاريخ سوريا والمنطقة العربية (انقلاب حسني الزعيم 1949) وبدأ تعطيل الدستور والاستفتاء الشعبي، إلا أن فترة حكمه القصيرة لم تسمح له بأي تغيير دستوري.
وحتى عام 1950 شهدت البلاد ثلاثة انقلابات عسكرية، وبعد انقلاب أديب الشيشكلي الأول، تم وضع دستور جديد سُمي دستور الاستقلال نظرا لأنه أول دستور بعد الجلاء.
حافظ الدستور الجديد على وصف سوريا بأنها "جمهورية عربية ديمقراطية نيابية ذات سيادة تامة" كما حافظ عىل المادة الثالثة التي تقول:
"دين رئيس الجمهورية الإسلام، والفقه الإسلامي هو المصدر الرئيسي للتشريع" وهو ما سيستمر في الدساتير اللاحقة.
وقد وُصف دستور 1950 بأنه ليبرالي، موال للأغنياء، والواقع أن شريحة العمال والفلاحين في سوريا كانت ما تزال خارج أي تمثيل في السلطة.
بقي دستور 1950 ساريا حتى الوحدة مع مصر عام 1958 رغم فترة انقطاع استمرت لنحو عامين (من 1952 وحتى 1954) فرضها أديب الشيشكلي في انقلابه الثاني الذي وضع مشروع دستور جديد بعد استفتاء لتنصيبه رئيسا، وكان دستور الشيشكلي يتضمن نظاما رئاسيا.
الدساتير الاشتراكية
الدستور الذي وضعه الرئيس جمال عبد الناصر سيشكل مرجعا أساسيا للدساتير اللاحقة، وقد وضع نهاية للنظام البرلماني وأقام نظاما رئاسيا يمنح صلاحيات كبيرة للرئيس، ويمنع تعدد الأحزاب.
ومع نهاية حقبة الوحدة، عام 1961، أعيد العمل من جديد بدستور 1950، مع بعض التعديلات.
مراحل "البعث"
إلا أن مرحلة جديدة كانت البلاد تتهيأ لها، أفضت إلى وصول حزب البعث العربي الاشتراكي إلى الحكم، إلا أن تغيير الدستور لم يكن على رأس أولويات الحكام الجدد ممثلي الطبقات الكادحة، حسب تعابير الحزب، إذ كان إعلان حالة الطوارئ، وفرض الأحكام العرفية، أول ما صدر في البلاد من تشريعات.
وبعد أزمة ما عُرف بأحداث حماة الأولى عام 1964 أصدر "المجلس الوطني لقيادة الثورة" دستورا مؤقتا في نيسان/ إبريل. وجاء فيه أن
"القطر السوري جمهورية ديمقراطية شعبية اشتراكية ذات سيادة وهو جزء من الوطن العربي"
وكانت المفاهيم الاشتراكية، وسيادة الحزب الواحد، من أبرز ما احتواه هذا الدستور وهو أيضا ما احتواه دستور البعث لعام 1969، الذي استمر حتى 1973 وإن كان خضع لبعض التعديل عام 1971، بعد وصول الرئيس حافظ الأسد إلى الحكم في البلاد.
الدستور الدائم 1973
بدأت تحضيرات الدستور الجديد منذ 1972، ولم تكن البلاد قد عرفت الاستقرار بعد، وكانت المادة الثالثة (دين الدولة) إضافة إلى آلية انتقال السلطة، ودور حبز البعث، من أبرز النقاط التي أثارت موجة احتجاجات.
أقر الدستور، وكان ينص على المادة الثامنة الشهيرة (حزب البعث هو القائد) إضافة إلى المادة الثالثة (دين رئيس الجمهورية الإسلام) إضافة إلى النص على أن اقتصاد البلاد هو "اشتراكي مخطط"، وكذلك المواد التي تمنح الرئيس صلاحيات كبيرة، ومنها أنه يمتلك سلطة التشريع، كما يستطيع حل مجلس الشعب، وإعلان حالة الطوارئ، وحالة الحرب، والتعبئة العامة، وهو القائد الأعلى للجيش والقوات المسلحة.
بقي الدستور ساريا حتى 2012، عندما صدر دستور جديد استجابة لمطالب إلغاء المادة الثامنة، وإلغاء حالة الطوارئ، وكان الرئيس بشار الأسد أصدر في نيسان/ أبريل عام 2011 مرسوما أنهى العمل بحالة الطوارئ، التي بقيت مستمرة منذ 1963.
بقيت كثير من مواد الدستور الدائم في دستور 2012، ومنها ما يتعلق بصلاحيات الرئيس، إضافة إلى المادة الثالثة التي شهدت إعادة كلمة "الطوائف"، واستعاد دستور 2012 ما جاء في دستور 1950 حول ذلك إذ تنص المادة الثالثة على:
"دين رئيس الجمهورية الإسلام.
الفقه الإسلامي مصدر رئيسي للتشريع.
تحترم الدولة جميع الأديان، وتكفل حرية القيام بجميع شعائرها على أن لا يخلّ ذلك بالنظام العام.
الأحوال الشخصية للطوائف الدينية مصونة ومرعية."
أما المادة الثامنة فقد تحولت من "احتكار" البعث للسلطة، إلى "التعددية السياسية" إذ تقول:
"يقوم النظام السياسي للدولة على مبدأ التعددية السياسية، وتتم ممارسة السلطة ديمقراطياً عبر الاقتراع".
تحديد الولاية
دستور البلاد الساري يضع سقفا لعدد مرات انتخاب رئيس الجمهورية، وهو يشير صراحة إلى الرئيس الحالي في المادة 88:
"ينتخب رئيس الجمهورية لمدة سبعة أعوام ميلادية تبدأ من تاريخ انتهاء ولاية الرئيس القائم، ولا يجوز إعادة انتخاب رئيس الجمهورية إلا لولاية واحدة تالية"
بينما تقول المادة 155:
"تنتهي مدة ولاية رئيس الجمهورية الحالي بانقضاء سبع سنوات ميلادية من تاريخ أدائه القسم الدستوري رئيساً للجمهورية، وله حق الترشح مجدداً لمنصب رئيس الجمهورية، وتسري عليه أحكام المادة / 88/ من هذا الدستور اعتباراً من الانتخابات الرئاسية القادمة"
وكل ذلك هو من المسائل التي تشهد خلافات حادة، إضافة إلى الشروط التي حددها الدستور لمن يحق له الترشح لمنصب الرئيس، إذ يشترط أن يكون مقيما في سوريا منذ 10 سنوات متصلة، وهذا يعني أن كثيرا من المعارضين لن يستطيعون الترشح للمنصب.
أسامة يونس