وكشفت الأبحاث الحديثة عن التأثير الكبير للميكروبيوم لدينا على الوظائف المعرفية، والعواطف، والشعور بالعدالة، وحتى سلوكياتنا الاجتماعية.
ووفقا لدراسات أجريت على الحيوانات، وجد باحثون أن الفئران التي تربى في ظروف معقمة، خالية من الحياة الميكروبية، تظهر صعوبات في التفاعلات الاجتماعية. وتشير هذه النتيجة إلى وجود صلة عميقة وأساسية بين ميكروبات الأمعاء والسلوك الاجتماعي.
ومع ذلك، فإن تطبيق هذه النتائج المستندة إلى الحيوانات على صحة الإنسان أمر معقد. وما يزال الباحثون يستكشفون المسارات العصبية والمناعية والهرمونية المحددة التي تمكن ميكروبات الأمعاء من التواصل مع الدماغ.
وعلى الرغم من ملاحظة وجود علاقة بين تكوين الكائنات الحية الدقيقة في الأمعاء والعدالة، إلا أن الآليات الدقيقة ما تزال غير واضحة، ما يترك العلماء لمواصلة كشف هذه العلاقة المعقدة.
فهم العلاقة بين الأمعاء والدماغ
وتلقي هيلك بلاسمان من جامعة السوربون وإنسياد، التي تقود فريق البحث في معهد باريس للدماغ، الضوء على المسارات المحتملة لهذا التفاعل.
وتشير بلاسمان إلى أن "النظام البيئي المعوي يتواصل مع الجهاز العصبي المركزي عبر مسارات مختلفة، بما في ذلك العصب المبهم".
وقد يتضمن هذا الاتصال أيضا إشارات كيميائية حيوية تحفز إطلاق الناقلات العصبية مثل الدوبامين والسيروتونين، وهو أمر بالغ الأهمية لصحة الدماغ.
العدالة واتخاذ القرار من القناة الهضمية
لاستكشاف ما إذا كانت الكائنات الحية الدقيقة في الأمعاء البشرية تؤثر بشكل مباشر على عملية صنع القرار، لجأت بلاسمان وفريقها إلى "لعبة الإنذار النهائي"، وهو اختبار سلوكي يقيس الاستجابات للعدالة.
وفي هذه اللعبة، يقوم أحد اللاعبين بتقسيم مبلغ من المال بينه وبين لاعب آخر، والذي يمكنه رفض العرض إذا شعر بأنه غير عادل، ما يترك كلا اللاعبين بلا شيء.
ويختبر هذا السيناريو "العقاب الإيثاري"، حيث يؤدي رفض العرض غير العادل إلى دعم المساواة على حساب المكاسب الشخصية.
وشملت الدراسة 101 مشاركا، وتم تقسيمهم إلى مجموعتين على مدى سبعة أسابيع. تلقت إحدى المجموعتين مكملات غذائية تحتوي على البروبيوتيك والبريبايوتكس، بينما تلقت المجموعة الأخرى علاجا وهميا. ولعبت كلا المجموعتين "لعبة الإنذار النهائي" في بداية ونهاية فترة الدراسة.
وفي ختام الدراسة، رفضت المجموعة الحاصلة على المكملات بشكل ملحوظ المزيد من العروض غير المتكافئة، ما يدل على حساسية معززة للعدالة، مقارنة بمجموعة الدواء الوهمي، التي لم تظهر أي تغيير في السلوك.
وأظهر المشاركون الذين كان لديهم في البداية خلل في التوازن البكتيري التغيرات الأكثر وضوحا في الكائنات الحية الدقيقة في الأمعاء وحساسية أعلى للعدالة بعد المكملات.
ومن الجدير بالذكر أن هؤلاء المشاركين أظهروا أيضا انخفاضا في مستويات التيروزين، وهو مقدمة للدوبامين، ما يشير إلى وجود آلية بيولوجية محتملة.
وتقول بلاسمان: "توضح هذه النتائج الجديدة المسارات البيولوجية التي يجب أن ننظر إليها".
نشرت الدراسة الكاملة في مجلة PNAS Nexus.
المصدر: earth.com