التشخيص السليم كما في جميع الأمراض يعد الركيزة الأساسية للعلاج واتخاذ التدابير الممكنة للتخفيف من الحالة على الأقل، وهو ما يجد عوائق في البلدان العربية نتيجة الخجل من مثل هذه الحالات وما يصاحبها من عملية إنكار وتجاهل لا تسهم إلا في استفحال مثل هذه الظاهرة المرضية الغامضة.
هذا الوضع يفرض على الآباء والأمهات الحرص والانتباه من أجل مستقبل أطفالهم، وذلك من خلال الوعي بالأعراض والتعامل معها بالطريقة السليمة وعدم التهويل أو الخجل منها واعتبارها نقيصة مهينة، خاصة أن الكثير من أشهر عباقرة العالم في مختلف المجالات، كانوا يعانون من مرض التوحد.
إحصائيات منظمة الصحة العالمية لعام 2012 ترصد وجود حالة واحدة من التوحد لكل 160 طفلا، في حين أن إحصائيات صادرة عن المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها نشرت في أوائل عام 2020 سجّلت وجود حالة واحدة لكل 54 طفلا.
قبل ذلك، كان المعدل حالة واحدة لكل 59 طفلا، وواحدة لـ 68، وواحدة لـ 88، أي أننا نشاهد زيادة ملحوظة في عدد الحالات، ولهذا السبب يتحدثون عن حالة وبائية على الرغم من أن المرض لا علاقة له بالعدوى، إلا أن الزيادة في عدد حالات التوحد بين الأطفال كبيرة جدا، وقد تكون الأكبر بين جميع الاضطرابات المتعلقة بالنمو، مثل الشلل الدماغي، وأمراض السمع والبصر.
إشارات الإنذار المبكرة التي يتوجب على الأمهات والآباء معرفتها:
تظهر تجليات الإصابة بالتوحد في علامات على صعوبات في التواصل من خلال التأخير في تعلم الكلام وأحيانا غيابه التام.
العلامات الأولى لمثل هذه الاضطرابات في نمو الطفل تظهر في السنة الأولى من العمر، على سبيل المثال ، يتعلم الجلوس في وقت متأخرا، ولا تظهر عليه أحاسيس عند التواصل مع والديه، ولا يهتم بالألعاب، ولا يستجيب عند مناداته باسمه.
وبشكل عام، يتميز الطفل المصاب بالتوحد بالظهور المتأخر لمهارة الكلام أو غيابها، علاوة على التكرار التلقائي للعبارات والأصوات المسموعة بدلا من الكلام الواعي، والتأخر في النمو، وقلة الاهتمام المشترك وتبادل الإيماءات والإشارات، وملاحظة اهتمامات خاصة ضيقة التركيز، والسلوك النمطي حيث يمكن أن نشاهد الطفل وهو يتأرجح لفترة طويلة ولا يفعل أي شيء آخر.
ويُلفت في هذا السياق أيضا إلى أن الأطفال المصابين بالتوحد لا يستخدمون الضمائر الشخصية، وتصدر عنهم في طفولتهم المبكرة كلمات جديدة مخترعة، كما يتم تجاهل البنية النحوية والصوتية للكلام.
يتكز اهتمام الطفل المصاب بالتوحد حول العاب بموضوع واحد في الغالب يكون لها علاقة بالفضاء والقاطرات والديناصورات، وبشخصيات محددة من أفلام الرسوم المتحركة.
علاوة على ذلك، يكون للأطفال الذين يعانون من التوحد انتقائية غذائية وهم يفضلون الكربوهيدرات وفي الغالب المكرونة والخبز.
كما يتضايقون من الأصوات العالية بما في ذلك الموسيقى ولا يستطيعون تحمل أي نوع من الضجيج.
يضاف إلى كل ذلك علامات مثل:
تجنب الاتصال بالعينين.
لا يطلب الطفل الإمساك به من يده.
لا يستجيب للتواصل العاطفي، وينفر من محاولات مداعبته وعناقه.
لا يتفاعل مع الخطاب الموجه إليه.
للحصول على ما يريد، ستخدم في العادة الإيماءات وليس الكلام.
لا يكون مهتما بالأطفال الآخرين ولا يتصل بهم.
يفضل اللعب بمفرده وبطريقة روتينية رتيبة.
يميل إلى اللعب بأشياء غير مخصصة للألعاب مثل الأواني والأزرار وما شابه.
أسباب الإصابة بمرض التوحد:
يمكن باختصار القول إن أسباب الإصابة بالتوحد متعددة من بين أسبابها المحتملة، تعض الجهاز العصبي المركزي لأمراض مثل التهاب الدماغ وحدوث تشوهات في نمو الدماغ، وكذلك الفشل الهرموني، والاضطرابات الايضية، والتعرض للعدوى الفيروسية والبكتيرية، وكذلك التسمم بالزئبق، وأيضا الاستخدام المفرط للمضادات الحيوة والتأثيرات الكيميائية على جسم الأم في فترة الحمل.
أعداد الأشخاص المشهورين المصابين بالتوحد كبيرا جدا، ما يشجع الآباء والأمهات على التعامل مع مثل هذه الحالات من دون خجل ورهبة أو إنكار وتجاهل، وعدم اعتبارها نوعا من الجنون، وحكما نهائيا بالعجز.
لا داعي لليأس وصرف النظر عن مثل هذه الحالات والانتباه مبكرا وبدقة إلى ما يظهر على سلوك الأبناء من أعراض، والاستعانة بالاختصاصيين لتقليل من مخاطر الحالة، وقد يكون طفلك المصاب بالتوحد عبقريا يصل إلى مراتب في القمة في مختلف المجالات.
طفلك المصاب بالتوحد قد يصبح عالما شهيرا لا يشق له غبار، مثل نيوتين وداروين وأينشتاين، أو موسيقيا معجزة مثل موتسارت، أو شخصية مبتكرة كبرى مثل بيل غيتس، وكل هؤلاء وغير من الكثير من المبدعين العالميين كانوا يعانون من مرض التوحد.
المصدر: RT