يقال إن الأفيال "لا تنسى الإساءة أبدا"، وهو تعميم قد لا يكون صحيحا تماما، فهي مثل بقية الكائنات تنسى أشياء من وقت لآخر، لكن العلماء أثبتوا في نفس الوقت أن ذاكرة الأفيال قوية بالفعل وبدرجة تفوق التصور.
توصل المتخصصون الذين درسوا حياة الأفيال الإفريقية في البراري أن الإناث الأكبر سنا، ويطلق عليهن اسم "الأمهات" في العادة يتقدمن القطعان ويقودونها، وتتميز "الأمهات" بذاكرة قوية تسمح لهن بالتعرف على الأصدقاء والاعداء.
الأفيال تتذكر جيدا الأماكن التي سبق ومرت بها في الماضي وصادفت فيها الماء والطعام، فيما يعتقد الباحثون أن الذاكرة القوية لدى الأفيال تسهم في بقائها على قيد الحياة، وعيشها لفترة طويلة تتراوح ما بين 50 إلى 60 عاما أو أكثر.
رصد الباحثون المتخصصون الذين عايشوا الأفيال عن كثب أنها تتذكر ما يصبها، ويمكن أن تتربص بأولئك الذين أساءوا إليها يوما.
في هذا السياق، أظهرت على سبيل المثال دراسة أجريت على الأفيال الأفريقية أن أفيال القارة تتفاعل سلبا مع رائحة أو رؤية ملابس معينة، واكتشفوا أن مشاعر الأفيال السلبية تتوجه لملابس تشبه تلك التي يرتديها رجال قبائل الماساي، الذين يرمونها بالرماح، بحسب ما تقتضيه تقاليد الرجولة لديهم.
كما يعزوا العلماء ذاكرة الأفيال القوية وذكائها الحاد إلى أدمغتها الكبيرة، حيث يزن دماغ الفيل البالغ حوالي 5 كيلو غرام، وهو الأكبر من بين جميع الثدييات البرية، فين حين يبلغ وزن دماغ الإنسان، للمقارنة، وزنه 1.36 كيلو غرام.
علاوة على ذلك، أثبت العلماء أن الأفيال تظهر العديد من المشاعر والانفعالات التي تؤكد ذكاءها مثل الحزن والإيثار والتقليد واللعب والفن واستخدام الأدوات والوعي بالذات، وتصنف على أنها في مستوى ذكاء الدلافين والشمبانزي، وأن دماغها يشبه الدماغ البشري من حيث التركيب والتعقيد.
معظم الأفيال تعيش في مجموعات عائلية ولا يمكن فصلها إلا عن طريق الموت أو الأسر، وهي تظهر بشكل مثير للدهشة علامات على حزنها حين تصادف بقايا أفيال أخرى نافقة، ومن المألوف أن تلامس الجثث أو العظام بأقدامها أو جذوعها.
يتعامل البشر بقسوة مع هذه الحيوانات العملاقة والوديعة، وعلى سبيل المثال، في خريف عام 2022، وقع حادث صادم، حيث اقتحم قطيع يتكون من أكثر من أربعين فيلا قرية هندية في ولاية "تشهاتيسجاره" وداست على أحد الرجال.
قد يرى البعض في هذا السلوك عملا عدوانيا من حيوانات برية، لكنه ليس كذلك في حقيقة الأمر. قبل أسبوع من هذه المأساة، قتل القرويون فيلا رضيعا، وبهذه الطريقة انتقمت الأفيال لصغيرها.
أشهر مثال على غضبة الأفيال حدث في ماليزيا منذ أكثر من قرن، وهي لا تزال مخلدة في لوحة تذكارية وضعت في المكان.
في القرن التاسع عشر، حين كانت ماليزيا مستعمرة بريطانية، كانت تجري عمليات استخراج نشطة للقصدير في المناطق الداخلية من البلاد. ومن أجل نقل الخام إلى أوروبا، تم بناء خط سكة حديد في وسط الغابة المؤدية إلى مدن الموانئ الساحلية.
وقعت مأساة في عام 1894، على خط فرعي بالقرب من مدينة تسمى في الوقت الحاضر "تيلوك إنتان"، حين اصطدم قطار بفيل صغير.
بعد بضعة أيام مر قطار آخر بنفس المكان يحمل عمال مناجم. كان يترقبه فيل ضخم في منتصف المسارات. أطلق قائد القطار إشارة صوتية لإبعاده، إلا أن الفيل لم يتزحزح من مكانه، بل وهاجم القطار، وأطاح به وأخرجه عن سكته.
لقي راكبان مصرعهما وأصيب عدة أشخاص في الحادث، كما لم ينج الفيل الغاضب نفسه في تلك المعركة مع القطار الحديدي.
نُقل نابا الفيل القتيل إلى بريطانيا، وجرى دفن بقاياه بالقرب من موقع الهجوم، علامة على إعجاب وتقدير سلطات الاحتلال البريطاني لماليزيا في ذلك الوقت بجسارة هذا الفيل وبالقصة الماساوية المحيطة بالحادثة، نصبت لوحة تذكارية بالمكان.
هذه اللوحة التذكارية لا تزال قائمة في مكانها على الرغم من أن سكة الحديد ذاتها فككت وتوقف هذا الخط عن العمل منذ منتصف القرن العشرين.
هذه هي الأفيال في ذاكرتها الحية وذكائها وانفعالاتها التي تشبه كثيرا ما يصدر عن البشر. الملاحظ أنها عكس الإنسان، لا تكون في كل مرة البادئة بالعدوان، تحفظ بذاكرتها الإساءة وحين تحين الفرصة لا تتردد في رد الصاع صاعين!
المصدر: RT