احتضنت قاعة الرقص "أدرينالين ستاديوم" في العاصمة الروسية عددا كبيرا من محبي Nick Cave المتعطشين للاستماع إلى أغانيه. وكما تقتضي الضرورة في حفلات كهذه، ربما، تأخر كيف في الخروج للجمهور الذي راح يناديه تارة نيكولاي وكوليا (تدليلا) تارة أخرى، حتى خرج واعتلى المنصة بعد أربعين دقيقة من الانتظار.
من تعرف على إبداعات الفنان الأسترالي، لا بد وأنه لمس تلك الأجواء الباردة والكئيبة التي تتسم بها ألحانه وأغانيه، وكذلك لوحة الوحشة والبؤس التي تشعر وكأنك تراها بكل جوارحك.. سيما وأن Nick Cave يتناول في أعماله مواضيع قد تبدو محظورة حتى في نقاش عام، كالعنف والموت، ويسوع الذي استحضره كيف في أغنية "المسيح وحيدا"، الأغنية التي افتتح بها الأمسية.
يعلم المتابع لأعمال الفنان الأسترالي أنه مسكون بهاجس الموت، والعلاقة مع العالم الآخر، حتى أن أجراس الكنائس تبدو مكوّنا بديهيا في أغانيه.. بل يبدو، من خلال تناوله هذه الأمور في أغانيه، وكأنه يتحدى الموت الذي قبل التحدي.. فداهمه في صيف 2015 وخطف ابنه آرثر في سن الخامسة عشرة بحادث مأساوي مروع، إذ سقط من مكان مرتفع.
ومع أن أغاني كيف عبارة عن شحنة من الكآبة والأجواء السوداوية، إلا أنها تلقى رواجا كبيرا حتى في صفوف الشباب، الذي جاء إلى الحفل ليتفاعل مع هذه الأغاني.. ولكنه تفاعل من نوع آخر.
فأنت لن تجد في حفل يحيه الفنان الأسترالي الشهير وجوها مبتهجة منتشية بما تسمعه من أعمال موسيقية، صار بعضها من كلاسيكيات الفن العالمي.. ومن من معجبيه لا يتذكر أغنيته "Where The Wild Roses Grow" في ثنائي رائع مع مواطنته كايلي مينوغ Kylie Minogue!
ولكن هذا لا يعني أن الجمهور لم يتفاعل مع هذه الأعمال بحماس شديد، وإن اكتفى البعض بالتعبير عن حالة الوحدة التي تجمعه مع كيف من خلال نفحة من التشاؤم على وجهه، بينما تمايل وردد بعض آخر كلمات أغانيه، وقد بدت عليه علامات التيه، ومحاولة البحث عن معنى الحياة المختبئ في هذه الكلمات.
يمتلك كيف قدرة هائلة على أن يجعلك تشعر وكأنك تعيش معه في حلم.. بل ربما في كابوس لا تريده أن ينتهي. وأنت تقف أمام هذا المبدع تجد نفسك لا شعوريا تتذكر مبدعا آخر هو المخرج الأمريكي ستانلي كوبريك، فتتساءل لوهلة.. هل أنا الآن داخل الشاشة؟!
هذا ليس غريبا بالنسبة لمن شاهد أفلام كوبريك الذي أجاد اختيار القالب الموسيقي لأفلامه، وهو انطباع عززه كيف من خلال حيل الإضاءة التي بدت كأنها مستوحاة من أفلام هذا المخرج العبقري، ما يجعلك تشعر وكأنك أحد أبطال عمل فني مشترك، حضرت فيه روح المخرج الراحل وبقوّة في ثنائي مبهر مع صوت الفنان الأسترالي، في إحدى ليالي موسكو الساخنة التي حولتها موسيقى Nick Cave إلى شتاء موحش وآسر.. قاتم وساحر.