مباشر

تسونامي ثقافي يعصف بمنطقة الخليج

تابعوا RT على
مما لا شك فيه أن هناك تسونامي ثقافي يعصف بمنطقة الخليج العربي بأسرها.

لعل بداية هذه الإرهاصات كانت مع الحفل الأول للأوركسترا السيمفونية السلطانية العمانية في سلطنة عمان، في يوليو عام 1988، والذي حضره السلطان بنفسه. تلى ذلك أوركسترا قطر الفيلهارموني التي تأسست عام 2007م، مرورا بالفعاليات التشكيلية الضخمة التي ظهرت في المنطقة مثل بينالي الشارقة، ومتحف اللوفر في أبوظبي (المقرر افتتاحه في 11 نوفمبر المقبل، والذي كلف إنشاؤه 965 مليون يورو).

لم تكن السعودية بطبيعة الحال بمعزل عن هذا التسونامي، فالنخب السعودية أدركت منذ فترة، ضرورة إحداث تغييرات حقيقية في بنية المجتمع السعودي، وفي هياكل الثقافة السعودية، التي تحتاج إلى ألوان من الثقافة والفنون لتغذي الأجيال السعودية الفتية.

ثم كان أول زلزال حقيقي، بالسماح للمرأة السعودية بقيادة السيارات، تلاه فورا تعيين المتحدثة باسم السفير السعودي في واشنطن، السيدة فاطمة باعشن، ثم الزيارة التاريخية للعاهل السعودي "الملك سلمان" إلى العاصمة الروسية موسكو، وهي زيارة تاريخية ليس فقط بالمعنى الدبلوماسي والسياسي للكلمة، وإنما تاريخية بالمعنى الجيوسياسي وقبله الثقافي.

إن روح التغيير تغمر المنطقة بأسرها، والثقافة لن تكون بمعزل عن ذلك التغيير، بمعنى أن الحديث الدائر عن تعاون روسي سعودي في مجال الطاقة النووية، والتعاون في مجال الأسلحة، أو حتى توريد منظومات دفاع صاروخي إس-400، كل هذا قد لا يمثل تغييرا في بنية المجتمع السعودي، قدر ما تمثله زيارة مسرح مثل البولشوي أو المارينسكي إلى المملكة، فهذه حقا تداعيات التسونامي الثقافي الخليجي على المملكة العربية السعودية، نافذة على عوالم أخرى، و ثقافات أخرى وافدة إلى المجتمع المحافظ، وزلزال سوف يطرح أسئلة أكثر من طرحه إجابات.

هذا الزلزال سوف يضع الجميع أمام معضلات حقيقية وضرورية تهم المنطقة العربية مطلع القرن الواحد والعشرين، معضلات حول إمكانية التعايش بين الإسلام والحضارة، الإسلام والثقافة، الإسلام والفنون. وبالتأكيد أيضا سوف تصبح معضلات مثل "تجديد الخطاب الديني" على المحك، فعلى الرغم من أن تأثير زيارات كهذه سوف يخص النخب السياسية والاجتماعية دون غيرها، إلا أن ذلك لن يلبث أن يقود حراكا ثقافيا كالأمواج المتعاقبة، تنتقل من طبقة لأخرى.

لا شك أن أجواء كهذه تدعو للتفاؤل بمستقبل زيارة العاهل السعودي إلى موسكو، وقبلها القرارات الجريئة للغاية، والتي تؤكد أن السعودية ومعها دول الخليج تمكنت في عقود ماضية من صناعة دوائر نخبوية مثقفة، قادرة على قيادة حركة تنويرية سوف تؤتي ثمارها في الأجيال الجديدة بكل تأكيد، وتلك هي المعركة الحقيقية مع الإرهاب.

كان وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف، قد أعلن عن جولات فنية لمسرح البولشوى والمارينسكي إلى المملكة العربية السعودية، حيث أضاف وزير الخارجية الروسي، أثناء المؤتمر الصحفي الذي عقده مع نظيره السعودي عادل الجبير (في إطار أول زيارة لعاهل سعودي إلى روسيا منذ 90 عاما) أن التعاون الثقافي مع المملكة العربية السعودية، قد يشمل جولات فنية لأوركسترا مسرح مارينسكي للأوبرا والباليه من مدينة بطرسبورغ، بقيادة قائد الأوركسترا الشهير فاليري غيرغييف، وفرقة مسرح البولشوي للباليه، وعدد من الفرق الروسية خلال الموسم الفني لعام 2018.

محمد صالح

هذا الموقع يستخدم ملفات تعريف الارتباط .بامكانك قراءة شروط الاستخدام لتفعيل هذه الخاصية اضغط هنا