تنتمي ماجدة الصباحي إلى ذلك الجيل الرومانسي الجميل، الذي تستمع فيه إلى نبرات صوتها على خلفية أغنية لعبد الحليم حافظ، وترى في الخلفية شاطئ الإسكندرية، أو حدائق القناطر شمال القاهرة.
إنه جيل ما بعد الثورة، جيل الأحلام الكبيرة والعواطف المشتعلة والنضال من أجل الاستقلال والحرية ونهاية الاستعمار. ولعل ذلك يتجسد مثالا حيا في رؤيتها ليس فقط كممثلة، وإنما كمبدعة، وعاملة نشطة في مجال السينما، لشخصية المناضلة الجزائرية جميلة بو حيرد (التي أصبح المصريون يعرفونها جميعا بجميلة أبو حريد وليس حيرد)، التي جسدتها ماجدة، وأنتجت فيلما خصيصا لطرح قضيتها، وقضية الأمة العربية، بل وقضية تحرير الشعوب بصفة عامة.
قامت ماجدة ببطولة الفيلم عام 1958، وأصرت على قص شعرها، ورفضت الاستعانة بباروكة، وذهبت إلى الأديب يوسف السباعي لكتابة قصة الفيلم، ولجأت للجنة العليا للجزائر التي كانت موجودة في مصر وقتها للحصول على مواد علمية عن قصة حياة جميلة بو حيرد، ثم ذهبت إلى كل من نجيب محفوظ وعلي الزرقاني وعبد الرحمن الشرقاوي لكتابة السيناريو والحوار، وأقامت ديكورا لحي القصبة الجزائري، الذي كانت تعيش فيه شخصية البطلة، على ثلاثة أفدنة من استوديو مصر، واستعانت بالمخرج يوسف شاهين لإخراج الفيلم، الذي أصبح أيقونة للراحلة ماجدة، وأيقونة لجميلة بو حيرد (أطال الله عمرها، ومتعها بالصحة والعافية)، وأيقونة للثورة الجزائرية وحركات تحرير الشعوب.
تحكي ماجدة أنها في ذلك الوقت جازفت بإخراج فيلم ضخم وطني تاريخي، ولم يكن ذلك ما يجذب الجمهور لشباك التذاكر، إلا أنها آمنت بالقضية، وأصرت على ما آمنت به، ليجول هذا الفيلم دول العالم تعريفا بالقضية الجزائرية وبطولة الفدائيات الجزائريات ومأساة جميلة التي كانت في ذلك الوقت تقضي حكما بالسجن مدى الحياة بعد أن تم تخفيف حكم الإعدام في 7 مارس 1958 إلى حكم بالسجن مدى الحياة.
يقال أن أحمد بن بيلا، الرئيس الجزائري فيما بعد، أدى التحية العسكرية عندما شاهد الفيلم، وقامت مظاهرات في دور السينما التي عرض فيها الفيلم تضامنا مع الجزائر وطالب المتظاهرون بالحرية لجميلة، واحتجت فرنسا لدى الدول التي عرض فيها الفيلم، الذي تسبب بالضغط على الرأي العام العالمي.
خرجت جميلة بو حيرد من السجن عام 1962، لتصبح أيقونة الثورة الجزائرية، ومعها أصبح دور "جميلة" لماجدة هو دور العمر، دور التصق بها والتصقت به وأصبحت تعرف به، ويعرف بها.
المصدر: RT