بداية القرن التاسع عشر اندلع صراع تجاري كبير بين بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية التي كانت استقلت عنها منذ وقت غير بعيد. كانت بريطانيا في ذلك الوقت منشغلة مع القوى الأوروبية الأخرى في حرب ضد فرنسا بزعامة نابليون بونابرت.
على خلفية هذا الوضع أعاقت بريطانيا بشكل متزايد التجارة الأمريكية مع فرنسا والدول التي سيطرت عليها. البريطانيون أوقفوا السفن التجارية الأمريكية المتوجهة إلى القارة الأوروبية وصادروا حمولتها.
رد الرئيس الأمريكي توماس جيفرسون في عام 1806 بفرض أول حظر تجاري كبير في التاريخ على جميع الصناعات والحرف اليدوية البريطانية تقريبا وعلى المواد الخام التي يتاجر بها البريطانيون، باستثناء الصوف والحديد والفحم وكذلك "السلع الاستعمارية" من المستعمرات البريطانية، مثل التوابل والقهوة والشاي.
بموجب ذلك الحظر سُمح للبريطانيين بتوريد جميع أنواع المشروبات الكحولية باستثناء الجعة، كما سمح لهم بتوريد الكتب فقط وحظر المطبوعات ومشابه. قانون الحظر فرض عقوبات على تهريب السلع المحظورة تمثلت في المصادرة وغرامة بثلاث أضعاف قيمة هذه البضائع.
هذا الحظر التجاري مع بريطانيا تعزز نهاية عام 1807 بقرار صادق عليه الكونغرس قضى بوقف التجارة مع أوروبا تماما. كان التوتر بين البليدين قد وصل حد الصدام العسكري بهجوم السفينة البريطانية ليوبارد على الفرقاطة الأمريكية "تشيسابيك" منتصف نفس العام، علاوة على احتجاز فرنسا بقيادة بونابرت لجميع السفن المتجهة من الولايات المتحدة إلى بريطانيا.
عواقب أول حظر تجاري أمريكي كبير:
عمليا دمر هذا الحظر التجارة الخارجية لأمريكا الشمالية، بتعفن السلع على متن السفن التجارية الراسية في الموانئ الأمريكية الأطلسية، وفساد البضائع في المستودعات. في هذا السياق، اندلعت اضطرابات خطيرة في الجنوب الأمريكي الزراعي لعدم تمكن الفلاحين من بيع منتجاتهم.
علاوة على ذلك، تجاهلت الولايات الأمريكية المتاخمة لكندا الحظر. على سبيل المثال، وُصفت إجراءات جيفرسون في ولاية فيرمونت، بغير القانونية، ونشطت عمليات التهريب الحدودية والتلاعب بشكل كبير بما في ذلك بيع تصريحات خاصة تسمح بالتجارة مع الدول التي تم حظرها.
وقفت الحكومة الأمريكية عاجزة أمام ما يجري، وسعى الرئيس جيفرسون في 8 يناير 1808 للحصول من الكونغرس على موافقة بتجنيد 30000 حارس حدود من أجل إغلاق الحدود مع كندا بشكل تام، إلا أن الكونغرس رفض الفكرة، واكتفى بالموافقة على فرض غرامات على منتهكي الحظر.
الاضرار الكبيرة التي لحقت بالتجارة الأمريكية وازدهار عمليات التهريب والمراجعات التي قامت بها جماعات الضغط جعلت الحظر المفروض بلا معنى في عام 1810.
الحكومة الأمريكية اضطرت إلى رفع ذلك الحظر من أجل استئناف التجارة مع فرنسا بالجرجة الأولى. انتهت الحرب التجارية الامريكية الأوروبية التي دخلت التاريخ باسم "حظر جيفرسون" وتحولت إلى حرب حقيقية بإعلان الولايات المتحدة الحرب على بريطانيا في عام 1812.
في تلك الحرب الأمريكية البريطانية التي توصف بالغريبة، حقق البريطانيون بعض الانتصارات وتمكنوا حتى من إحراق واشنطن، إلا أن قواتهم لم تكن في ذلك الوقت قادرة على إعادة السيطرة على هذا البلد الكبير والمتمرد. وُقع اتفاق سلام بين البلدين في ديسمبر 1814 أعاد الأمور إلى ما كانت عليه.
بريطانيا لم تتأثر بذلك الحظر. السلع الأمريكية كانت تصل إليها بفضل عمليات التهريب الواسعة، كما أن البريطانيين وجهوا المنتجات التي كانت مخصصة للولايات المتحدة إلى أسواق أمريكيا الجنوبية. وهكذا انتهى ذلك الحظر التجاري الكبير في 1 مايو 1810 بفشل تام للولايات المتحدة.
المصدر: RT