وردا على هذه الخطوة التي اتخذها المجلس الرئاسي في غرب ليبيا، أقدم مجلس النواب الليبي وحكومته في شرق ليبيا على وقف إنتاج النفط بالكامل، والذي تسبب في اضطرابات واسعة لإنتاج البلاد من النفط، تنذر بالتحول لأزمة كبرى لم تشهد ليبيا مثلها منذ سنوات.
وأصدرت الخارجية الأمريكية السبت الماضي، بيانا تؤكد فيه أن البنوك الأمريكية والدولية بدأت إعادة تقييم علاقاتها مع مصرف ليبيا المركزي، مما أدى إلى إيقاف المعاملات المالية معه مؤقتا، مطالبة ما وصفتهم بـ الفاعلين الليبيين باتخاذ خطوات للحفاظ على مصداقية المصرف المركزي الليبي وإيجاد حل لا يتسبب في المزيد من الضرر لسمعته وتعامله مع النظام المالي الدولي.
أزمة المصرف الليبي أثارت العديد من التساؤلات، حول الأزمة وتداعياتها على تطور الخلاف السياسي بين الأطراف الليبية، وانعكاساتها على الأوضاع الاقتصادية الليبية، ومدى ثقة المؤسسات المالية الدولية في مصرف ليبيا في ظل هذه الأزمة وما سيعقبها من تبعات؟.
وقال الباحث في الشأن الليبي إدريس أحميد في تصريحات لـ RT، إن أزمة المصرف المركزي وما يحدث في ليبيا محاولة لمزيد من الفوضى بحيث تبقى ليبيا في أزمتها في ظل عدم حسم الموقف من قبل المبعوثة الأممية إلى ليبيا والولايات المتحدة الأمريكية والدول التي تدعي أنها تساعد ليبيا. لذلك هي أزمة عميقة زادت من حدة الصراعات وما زالت تداعياتها تتصاعد لتزيد من تأزم المشهد الليبي المستمر منذ 14 عاما.
وأوضح "أحمدي" أن حكومة الوحدة الوطنية الليبية ومقرها غرب ليبيا لم تف بالتزاماتها بل أدخلت البلاد في حالة من الفوضى، وكذلك المصرف المركزي كان يعمل وحده ويتخذ سياسات غير واضحة أزمت المشهد وأدخلت البلاد في أزمة اقتصادية، لافتا إلى أن التكليف الأخير من المجلس الرئاسي الليبي لمحافظ جديد للمصرف المركزي الليبي مخالف لصلاحيات المجلس، وجاء ليزيد من تأزم الأوضاع ويزيد من الخلافات بين الأطراف السياسية في ليبيا، في ظل رفض مجلس النواب هذا التكليف بدعوى أن هذا التكليف ليس من اختصاص المجلس الرئاسي.
وبين أن أزمة المصرف المركزي سيكون لها تداعياتها على السياسة المالية الليبية، وأن ما وصفه بـ"الفوضى المالية" سوف ي منهزعزع الثقة في المصرف المركزي الليبي وفي تعاملات ليبيا الاقتصادية مع الدول، في الوقت الذي تعاني فيه الدولة الليبية من أزمة اقتصادية خانقة وارتفاع قيمة الدولار أمام الدينار الليبي وارتفاع الأسعار وعدم وضوح الرؤية والشفافية، وزيادة التضخم، بالإضافة إلى خطر أكبر وهو أن تقدم المؤسسات المالية الدولية على تجميد الأصول الليبية لديها، أو فرض مزيد من القيود على التحويلات المصرفية، وكل تلك التداعيات ستنعكس بالسلب على الأوضاع الليبية السياسية والاقتصادية.
وحول دور الأطراف الفاعلة الدولية في التوصل لحل للأزمة الليبية، قال "الخبير الليبي" إن المبعوثة الأممية والولايات المتحدة الأمريكية لم يحركوا ساكنا على الرغم من اعترافهما طوال السنوات الماضية بالمحافظ السابق للمصرف المركزي الصديق الكبيرة، ويعرفون جيدا شروط تعيين من يتولى تلك المناصب الهامة والتي لابد من التوافق، مؤكدا أن هذه أزمة وجدت لتزيد من تأزم الأوضاع في ليبيا.
ووفقا للأرقام والاحصائيات الرسمية فإن الإيرادات النفطية في ليبيا تشكل نحو 96.7% من إجمالي إيرادات الميزانية العامة لليبيا وذلك في العام المالي 2023/2024، بقيمة 123.7 مليار دينار ليبي، وكان إنتاج النفط في ليبيا يبلغ 1.227 مليون برميل نفط يوميا قبل فرض حكومة شرق ليبيا –حكومة البرلمان الليبي- للقوة القاهرة.
من جانبه قال المحلل الاقتصادي الليبي، خالد بوزعكوك، إن الإجراءات التي تم اتخاذها من جانب واحد وتغيير محافظ المصرف المركزي غير شرعية وتعطل من إجراءات دمج واستقرار المؤسسات المالية في ليبيا، وهو الموقف الذي أكدت عليه الولايات المتحدة الأمريكية في بيانها بخصوص أزمة المصرف، وطالب به المبعوث الأممي السابق وكل البعثات الدبلوماسية المهتمة بالأوضاع في ليبيا من ضرورة توحيد ودمج المؤسسات المالية، مشيرا إلى ان تغيير محافظ المصرف المركزي جعل هناك رفضا من قبل البنك القطري والبنك البحريني وكذلك الولايات المتحدة التي أوقفت تعامل بعض مؤسساتها المالية مع المصرف، مما يدل على عدم اعترافها بـ الإجراءات الأحادية التي صدرت عن المجلس الرئاسي.
وأوضح الخبير الاقتصادي الليبي في تصريحات لـ RT، أن هذه الإجراءات تزيد من حدة الضغط على مصرف ليبيا المركزي وعلى مجلس الإدارة الجديد وسيكون لها انعكاسات سلبية على قيمة الدينار الليبي والحوالات ومستوى الائتمان، خاصة في ظل الوضع المالي والاقتصادي الهش والضعيف وغير المستقر في ليبيا، وأن كل هذه الإجراءات ستشكل ضغوطا كبيرة على الإدارة الجديدة للمصرف.
وعن التداعيات المالية للأزمة، قال "بوزعكوك" أن هناك اشكالية في صرف مرتبات شهر أغسطس، وأحالت وزارة المالية المخصصات المالية والمرتبات لكل موظفي الدولة لكن المصرف يظل عاجزا لعدم وجود توقيع معتمد وعدم وجود تغطية مالية كافية، وكذلك عدم ثقة البنوك التجارية في المصرف المركزي.
ويرى أن الخروج من الأزمة الحالية يقتضي أن يتجه كل أصحاب السلطة إلى انتخابات رئاسية وبرلمانية، لأنه إذا تشكلت حكومة منتخبة ستجنب البلاد هذا الانقسام وما يتبعها من انقسام مؤسسي وتداخل في القرارات والاختصاصات، مشيرا إلى أن وجود حكومة موحدة يساهم في الخروج من هذا النفق المظلم لأن ليبيا فيها أكثر من 70 وزارة وهيئة وفيها تنازع في الاختصاصات وضعف في الرقابة. لذا لابد من الخروج من هذه الأزمة بحكومة موحدة تمثل كافة الأطياف والمدن والأقاليم الليبية.
المصدر: RT
القاهرة – محمد الصاحى