وفي حديث خاص لـRT، أوضح أحمد السيد النجار، رئيس تحرير صحيفة "الأهرام" السابق، قائلا: "سجل سعر الغاز في أوروبا مستوى خرافيا حيث بلغ 1500 دولار لكل ألف متر مكعب، بما يعني أن سعر المتر أصبح 1.5 دولار.. ويعني أيضا أن سعر المليون وحدة حرارية بريطانية (تعادل 28.26 متر مكعب) أصبح يزيد عن 42 دولارا، أي عشرة أمثال السعر في العام الماضي في المتوسط، وهذا السعر يمكن أن ينخفض لمستوياته الطبيعية بمجرد بدء استقرار نظام الدفع لتسوية مدفوعات أوروبا الخاصة بشراء الغاز والنفط الروسيين".
وأضاف أحمد السيد النجار: "المستهلك الأوروبي هو الضحية لغباء حكومات بلدانه، فبعد تجميدها للاحتياطيات المالية للبنك المركزي الروسي وإعلانها أنها ستبحث عن بديل للغاز الروسي، لم يعد أمام روسيا الحريصة على ما تبقى لديها من احتياطيات، والتي ترى نية الغدر التجاري الأوروبي واضحة ومعلنة..لم يعد أمامها إلا إجبار أوروبا والبلدان الأخرى التي فرضت عقوبات قاسية عليها، على ضخ اليورو والعملات الحرة الأخرى في النظام المصرفي الروسي مباشرة، كثمن لشرائها الروبل لتسديد مدفوعات وارداتها من روسيا".
ونوه النجار بأن "هذا الأمر يجعل العملات الحرة تأتي للنظام المصرفي الروسي ولا يبحث عنها في أسواق تقاطعه وتحاصره"، لافتا إلى أنه "مع وجود طلب على العملة الروسية (الروبل) القابلة للتحويل في العمليات الجارية والرأسمالية، سيتحسن سعره (الروبل) مقابل العملات الحرة الأخرى، وهو ما حدث بالفعل بمجرد إعلان روسيا عن قرارها وحتى قبل البدء في تطبيقه، حيث ارتفع سعر صرف الروبل مقابل الدولار بنسبة تزيد على 25%".
وتابع موضحا:"والأهم أن هذا التطور سيفتح الباب أمام إمكانية تعامل الدول بعملاتها الوطنية على أساس سعر كل منها تجاه وحدة حقوق السحب الخاصة، بما يحطم سطوة الدولار والنظام النقدي "الدولي" الذي بنته واشنطن لصالحها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وعلى الأقل، سيدخل الروبل بدءا من اليوم ضمن مجموعة العملات التي تتم من خلالها تسوية المعاملات التجارية الدولية في حدود تعاملات روسيا مع الدول التي تعتبرها معادية لها، وهو ما سيخلق طلبا على الروبل في أسواق الصرف بقيمة أساسية تزيد على 300 مليار دولار في العام، وبقيمة أكبر كثيرا لعمليات الإتجار فيه في أسواق العملات".
وأكمل الخبير الاقتصادي: "فضلا عن الدول التي فرضت عقوبات على روسيا واعتبرتها الأخيرة دولا معادية لها، فإن روسيا اتفقت مع العديد من الدول الصديقة على تسوية التعاملات بينهما بعملات البلدين، مثل أهم شريك تجاري لروسيا، أي الصين، ويبلغ حجم تجارتهما البينية السنوية نحو 100 مليار دولار، وكذلك الهند وإندونيسيا وماليزيا وإيران، والقيمة الفارقة لهذا الإجراء هي أنه الخطوة العملية الأكبر لإزاحة الدولار من وضعية عملة الاحتياط الدولية المهيمنة بقوة الدفع التاريخي وبلا مبرر موضوعي، على سلة احتياطيات مختلف البنوك المركزية حول العالم".
واستطرد النجار: "صحيح أن الدولار تراجعت حصته في تلك السلة من 71% عام 1999 إلى 59% عام 2021، إلا أن هذه النسبة الأخيرة لا مبرر لها في ظل تراجع حصة الناتج الأمريكي إلى نحو 18% من الناتج العالمي الحقيقي المحسوب وفقا لتعادل القوى الشرائية، وتراجع حصة الولايات المتحدة من الصادرات العالمية لنحو 8.4% فقط من الإجمالي العالمي، مقارنة بنحو 15.2% للصين، وفي ظل حقيقة العجز التجاري الأمريكي منذ 47 عاما بلا انقطاع، والعجز المتواصل في ميزان الحساب الجاري الأمريكي منذ 41 عاما"، مؤكدا أنه "لو أكملت دول أخرى في نفس الاتجاه، سيظل الدولار عملة رئيسية مع عملات أخرى، لكنه سيفقد هيمنته الراهنة وسيتخلص العالم من الاستخدام "اللصوصي" الأمريكي للدولار كعملة احتياط دولية في نهب سلع وخدمات العالم مقابل مجرد أوراق لا غطاء ذهبيا أو إنتاجيا لها".
وأضاف قائلا: "من المفارقات أن الدول الأوروبية التي رفضت القرار الروسي ذكرت أنه يخالف اتفاقيات تصدير الغاز الروسي لأوروبا، والتي نصت على تسوية التعاملات باليورو أو الدولار، ناسية أنها خالفت كل الاتفاقيات والقانون الدولي نفسه عندما وضعت يدها بشكل لصوصي على الأصول المالية للبنك المركزي الروسي، واستولت على كل ما طالته يدها من أصول مملوكة للروس!"
واستكمل الخبير الاقتصادي: "ستجد أوروبا نفسها مجبرة على البحث عن وسيلة للتعامل مع المطلب الروسي بسداد قيمة وارداتها من النفط والغاز الروسيين بالروبل، لأن البديل هو إيقاف تلك الواردات وحدوث أزمة هائلة في الاقتصادات الأوروبية بما قد يترتب عليها من اضطرابات سياسية-اجتماعية-اقتصادية، وفي كل الأحوال فإن كسرا كبيرا في النظام النقدي الدولي القائم على هيمنة الدولار قد حدث بالفعل".
وشدد أحمد السيد النجار أخيرا على أنه "إذا انتشرت التعاملات بالعملات الوطنية على أساس السعر المرجعي تجاه وحدة حقوق السحب الخاصة، مع تثبيت سعر صرفها لمدة عام وتغييره في بداية كل عام اتساقا مع الأداء الاقتصادي لضمان استقرار وعدالة المعاملات، فقد يتم تدمير النظام النقدي الدولي الراهن والظالم واللصوصي كليا، وتدمير منظومة "التحرير" العشوائي لأسعار الصرف المتروكة كألعوبة في أيدي المضاربين، وربما يصبح النموذج الصيني للتسعير التحكمي المتغير لسعر الصرف هو الأكثر ملائمة لنظام نقدي دولي عادل قائم على تسوية التعاملات بالعملات الوطنية".
المصدر: RT