هل يكشف ترامب ما يفكر به فعلا أم يقرأ خطابا منمقا؟!
يواجه رئيس أمريكا دونالد ترامب، مهمة حسّاسة عندما يلقي الثلاثاء كلمته الأولى أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، لأن الأمر يشكل تحديا كبيرا في اختياره لعباراته أمام قادة عالم.
فبعد ثمانية أشهر على تربعه غير المريح في المكتب البيضاوي داخل البيت الأبيض، يلقي ترامب أول خطاب له أمام قادة عالم غارق في النزاعات والاضطرابات والحساسيات، ينتظر أن يتناول فيه القضايا الساخنة في العالم بدءا من موقفه من "داعش" مرورا بقضية كوريا الشمالية ووصولا إلى ميانمار وفنزويلا، عارضا تصوّره لموقع الولايات المتحدة على الساحة العالمية.
ويقول بن رودز الذي عمل مستشارا للرئيس الأمريكي باراك أوباما: "إنه خطاب لا مثيل له، وفرصة فريدة للرئيس ليخاطب العالم كله".
ويشدد بن رودز الذي ساهم في كتابة خطابات أوباما الثمانية في الأمم المتحدة، على أهمية كلّ كلمة قائلا: "أي جملة صغيرة من الخطاب يمكن أن تشير إلى توجّه جديد فتكون لها أصداء في الأوساط الديبلوماسية على مدى أشهر".
وفي ظل شخصية ترامب وصفاته وما يعيشه العالم من انقسامات وحروب وتوترات، ستكون مهمة الرئيس الأمريكي في الأمم المتحدة شديدة الحساسية.
فهو سيكون تحت المجهر في حديثه عن روسيا التي ما برح خصومه يزعمون أنها تدخّلت في الانتخابات الأمريكية لمصلحته، وأيضا حول قضايا المناخ التي أبدى حتى الآن تشكيكا فيها وسحب بلاده من اتفاقية باريس لمكافحة الاحتباس الحراري، فيما وتيرة الكوارث المناخية تشتد.
وإضافة لكل ذلك، سيتعيّن على ترامب أن يبيّن وجهة نظره حول انعكاس شعاره الانتخابي "أمريكا أولا" على السياسة الخارجية لبلده.
فهذا الرئيس الخامس والأربعون للولايات المتحدة لا يبدي كثير اهتمام بوزارة الخارجية، وهو اقترح تخفيض الميزانيات الديبلوماسية بما نسبته 30%. وهو أيضا لم يتردد في وصف الأمم المتحدة قبل نحو عام بأنها "ناد يجتمع فيه الناس ويثرثرون ويمضون وقتا لطيفا".
ولم تسنح حتى الآن فرص كثيرة أمام ترامب، وهو حديث العهد في السياسة بعدما عمل طويلا في التطوير العقاري والتمثيل التلفزيوني وتنظيم مسابقات ملكات الجمال، لإلقاء خطب ذي وزن.
وكان الخطاب الذي ألقاه لدى تنصيبه رئيسا، مفاجئا من حيث الأسلوب الحاد والنبرة العالية وهتافه "أمريكا أولا وفقط أمريكا". أما خطابه أمام الكونغرس بعد ذلك بأسابيع فقد فاجأ العالم على عكس ذلك بنبرته المعتدلة.
من المفترض أن يدفعه الجو الجادّ في الأمم المتحدة إلى الالتزام بتلاوة النص الذي سيمرّ أمامه على شاشة... إلا في حال ثارت ثائرته وقرر إحداث مفاجأة.
وستتجه الإنظار إلى ترامب أيضا لسماع ما إذا كان سيذكر أيا من أسلافه في البيت الأبيض، وهو قلّما يذكر أحدهم، وهو ربما لا يذكر أن فرانكلين روزفلت الرئيس الثاني والثلاثين للولايات المتحدة، كان له فضل كبير على تأسيس الأمم المتحدة.
وقدّم روزفلت في الرابع والعشرين من أكتوبر/ تشرين الأول من العام 1945، أي قبل أن يولد ترامب ببضعة أشهر، خطابا كانت له أصداء كبيرة، تحدّث فيه عن أهمية الديبلوماسية ودعا لإعطاء الأمم المتحدة "قوة جديدة وأدوارا هامة".
وقال أيضاً: "إن تطوّر هذه المنظمة هو البديل الوحيد عن الحرب، والحرب لم تعد اليوم خيارا عقلانيا".
في العام 2009، اعتلى باراك أوباما منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة، مقدّما خطابا أعلن بين سطوره القطيعة مع سياسات جورج بوش، فهل يعلن ترامب في خطابه القطيعة مع السياسات التي اتبعها سلفه؟!.
فإذا كان الفرق بين الخطاب المكتوب والخطاب العفوي أمرا معتادا لدى الرؤساء، إلا أن الأمر مع ترامب يأخذ منحى آخر. فسيل التغريدات التي يطلقها كل يوم، والتصريحات الرئاسية الرصينة التي تتبعها رسائل حادّة تشعل الجدل بين الأمريكيين، تضع سيد البيت الأبيض الحالي في موقع فريد بين أسلافه.
وترى فينشا لافلور، التي عملت مع الرئيس السابق بيل كلينتون، أن التحدي الكبير لرئيس أمريكا الحالي هو أن "العالم كله سمعه مرارا وهو يتحدث من دون ضوابط، وبات يعرف "صوته الحقيقي"، وبالتالي فإن أي خطاب مكتوب بعناية سيدفع للقول "هل هذا فعلا ما يفكّر به ترامب؟".
المصدر: وكالات
سعيد طانيوس