أجندة لافروف في طهران وسبل مواجهة "الضغط المركب"
عرض وزير الخارجية سيرغي لافروف أجندة زيارته المقبلة إلى طهران، ودعا إلى التحرر من "دولرة" الاقتصادات الوطنية لمواجهة العقوبات، مشيرا إلى ما أسماه "الضغط المركب" الذي يمارسه الغرب.
وقال لافروف في مقابلته مع وكالة الجمهورية الإسلامية للأنباء (إرنا) عشية زيارته إلى العاصمة الإيرانية:
"فيما يتعلق بسياسة العقوبات التي تفرضها واشنطن، فإن موقفنا لم يتغير: سنواصل معارضة أي إجراءات تقييدية أحادية الجانب من شأنها، علاوة على ذلك، أن تلحق الضرر بالشرائح الأكثر هشاشة من السكان. وباستخدام المنصات الدولية، بما في ذلك هيئة الأمم المتحدة، تثير روسيا بقوة قضية عدم شرعية فرض مثل هذه القيود. وبهذا الصدد فإني أعلن بارتياح عن أن موقفنا يحظى بدعم واسع في المجتمع الدولي.
كما نعتبر أنه من المهم تكثيف الجهود لتقليل مخاطر العقوبات والتأخيرات المحتملة للمشغلين الاقتصاديين. يدور الحديث هنا، على وجه الخصوص، عن خطوات تهدف إلى التحرر التدريجي من "دولرة" الاقتصادات الوطنية، والانتقال إلى التسويات المتبادلة بعملات وطنية أو بديلة للدولار الأمريكي، ورفض استخدام أنظمة الدفع الدولية التي يسيطر عليها الغرب. في روسيا، نحن نسعى إلى ذلك بفعالية. ونرى آفاقاً كبيرة في هذا المجال للتفاعل مع جميع الشركاء الأجانب المهتمين بذلك".
لا بديل لخطة العمل الشاملة
وأكد لافروف أن "الجانب الروسي مقتنع بأنه لا يوجد بديل معقول لخطة العمل الشاملة المشتركة.. وكما ذكر الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، مراراً وتكراراً، فإن الطريقة الأكثر فعالية للحفاظ على الاتفاقيات الموقعة عام 2015، هي من خلال الالتزام الصارم ببنودها من قبل الدول الموقعة. ولعل إطلاق مفاوضات موضوعية في هذا الشأن، من خلال منصة فيينا، بمشاركة ممثلين إيرانيين وأمريكيين، يعطي بارقة أمل. بادئاً ذي بدئ، سيتم تصحيح انتهاكات خطة العمل الشاملة المشتركة، وقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2231، والتي ارتكبتها الولايات المتحدة الأمريكية في السابق. وهذا سيخلق الظروف اللازمة لعودة إيران للوفاء بمتطلبات "الاتفاق النووي"، سواء من حيث الشفافية، أو من حيث إعادة تشكيل البرنامج النووي الإيراني. من جانبنا، نحاول مساعدة واشنطن وطهران على إيجاد الحل المناسب.
أجندة لافروف في طهران
س: هل لكم أن تطلعونا على الأهداف الرئيسية لرحلتك إلى إيران؟ وكيف تؤثر معاهدة أسس العلاقات ومبادئ التعاون بين روسيا وإيران، المبرمة في مارس 2001، على تطور العلاقات بين البلدين؟
سيرغي لافروف: إن تطوير العلاقات مع إيران من بين أولويات السياسات الخارجية لروسيا، حيث يصادف 12 مارس الذكرى العشرين لإبرام المعاهدة المذكورة، والتي تم التوقيع عليها من قبل رؤساء البلدين في موسكو.
بهذه الخطوة، أكّد الطرفان التزامهما المتبادل ببناء العلاقات استناداً إلى مبادئ المساواة والثقة المتبادلة، بينما تعهّدت روسيا وإيران بالاحترام المتبادل للسيادة وسلامة الأراضي والاستقلال، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للطرف الآخر.
ولعله بسبب التنفيذ المستدام لأحكام هذه المعاهدة، ارتقى التعاون بين بلدينا إلى مستوى غير مسبوق، وأصبح يحمل طابعاً مكثّفاً ومثمراً. تتعزز علاقاتنا في المجالات السياسية والتجارية والاقتصادية والعلمية والتقنية والثقافية والإنسانية وغيرها. ويستمر تنفيذ مشاريع البنية التحتية الكبرى في إيران، بما في ذلك بناء وتشغيل محطة "بو شهر" للطاقة النووية. كذلك يتقدّم التعاون في مجال الرعاية الصحية ومكافحة انتشار عدوى فيروس كورونا، بينما يتم تسليم اللقاح الروسي "سبوتنيك V" إلى إيران، ومن المقرر تنظيم إنتاجه على الأراضي الإيرانية.
إن موسكو وطهران تعملان عن كثب لضمان التنفيذ الكامل لخطة العمل الشاملة المشتركة Joint Comprehensive Plan of Action (JPCOA)، الخاصة بتنفيذ الاتفاق النووي بين إيران ودول 5+1. كذلك نقوم بتنسيق الجهود بنجاح فيما يتعلق بالتسوية السورية وفقاً لمسار أستانا الذي أثبت جدواه، كما نجري حواراً منتظماً حول الوضع في الشرق الأوسط ككل. ومن نافلة القول هنا أن نؤكد على أن التعاون الروسي الإيراني يساهم في الحفاظ على الاستقرار الإقليمي في المنطقة، وبمعنى أوسع، تطوير المشهد الدولي وفقاً لمبادئ ميثاق هيئة الأمم المتحدة.
وخلال المحادثات المقبلة مع زميلي، وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، نعتزم مناقشة سبل تعزيز العلاقات الروسية الإيرانية المتنوّعة.
ممر النقل الدولي بين الشمال والجنوب
س: إن إيران وروسيا تتمتعان بأوضاع واستراتيجيات خاصة في المنطقة، خاصةً فيما يتعلق بتطوير الممر بين الشمال والجنوب. فما هي الخطوات التي يجب على البلدين اتخاذها من أجل هذا المشروع، وما هي العقبات التي تعرقل المضي قدماً؟ وكيف سيؤثر هذا المشروع على نقل البضائع على المستويين الإقليمي والدولي؟
سيرغي لافروف: يعتمد النمو المطرد في التجارة والتعاون الاقتصادي على العلاقات اللوجستية المتطورة إلى حد كبير، حيث يعتبر ممر النقل الدولي بين الشمال والجنوب مثالاً إيجابياً على التعاون متعدد الأطراف. إنه مشروع بنية تحتية رئيسي في المنطقة، وسوف يساهم في بناء شراكات لتبادل المنفعة بين العديد من الدول.
يعود الدور الرائد في تنفيذ هذه المبادرة إلى بلدينا، حيث أن معظم الطرق البرّية تمر عبر أراضينا. وفي هذا الصدد، فإن إنشاء البنية التحتية الحديثة للنقل البري يكتسب أهمية خاصة. في روسيا، وعلى المستوى الحكومي، تمت الموافقة على الخطط والبرامج اللازمة لذلك وجار تنفيذها، بما في ذلك ما يتعلق بمنطقة بحر قزوين. نحن نعلم أن طهران أيضاً تولي اهتماماً متزايداً لهذه القضية، ونأمل أن يتمكن الشركاء الإيرانيون من استكمال بناء مداخل ميناء بحر قزوين (المنطقة الحرة في "إنزالي") بنجاح، وكذلك خط السكك الحديدة إلى أذربيجان. وسيؤدي ذلك إلى زيادة القدرة التنافسية لمركز التجارة الدولية بين الشمال والجنوب، وجاذبيته لراغبي الشحن.
يلبي التشغيل الناجح لهذا المسار كذلك هدف تطوير التعاون بين إيران والاتحاد الاقتصادي الأوراسي، والذي تم إضفاء الطابع الرسمي عليه في عام 2018 بتوقيع الاتفاقية المؤقتة، التي أفضت إلى تأسيس منطقة التجارة الحرة (دخلت حيز التنفيذ في أكتوبر 2019). وفي 11 ديسمبر 2020، اتخذ قرار إطلاق مفاوضات حول إبرام اتفاق دائم لمنطقة تجارة حرة. من جانبنا، سوف نواصل تقديم كل الدعم الممكن بهذا الصدد.
ونأمل أن يصبح مركز التجارة الدولية بين الشمال والجنوب في المستقبل أساساً لإنشاء منطقة ربط لوجستي واقتصادي موحد بلا عوائق يمتد من الشواطئ الجنوبية لإيران وحتى مدن الشمال الروسية. ويكتسب حل هذه المشكلة أهمية كبيرة بعد أن أظهرت الحادثة الأخيرة لإغلاق قناة السويس زيادة الطلب على طرق برّية موثوقة لنقل البضائع.
ظاهرة الضغط المركّب
س: يبدو أن الإدارة الأمريكية الجديدة تواصل سياسات دونالد ترامب، ولكن بشكل جديد. كيف ترون هذا؟ وما الذي يمكن أن يتخذه بلدانا لعرقلة إجراءات إدارة بايدن الأحادية؟
سيرغي لافروف: إن المشكلة الأساسية، في رأينا، هي أن واشنطن لا تستطيع بأي حال من الأحوال أن تتخلى عن السياسات الضارة، التي تتبعها منذ أوائل التسعينيات من القرن الماضي، للحفاظ على هيمنتها العالمية، بعد انهيار الاتحاد السوفيتي. من الواضح اليوم للجميع أن مثل هذه السياسات تأتي بنتائج عكسية بالكامل.
علاوة على ذلك، فإن العملية الموضوعية لتشكيل نظام عالمي متعدد الأقطاب، أكثر عدلاً وديمقراطيةً، وبالتالي أكثر استقراراً، تكتسب زخماً أمام أعيننا. على الرغم من ذلك، يتخذ الأمريكيون، بدعم من حلفائهم الأوروبيين، خطوات حازمة لتفكيك الهيكل القانوني الدولي المتمركز حول هيئة الأمم المتحدة، واستبداله بما يسمى "النظام القائم على القواعد". نحن لا نعارض أن يلتزم الجميع بالقواعد، ولكن شريطة ألا يتم وضعها في الدوائر الضيقة لواشنطن وحلفائها، متجاوزين هيئة الأمم المتحدة، بل على العكس، أن تكون تلك القواعد دولية، بمشاركة جميع اللاعبين الرئيسيين في العالم، واستناداً إلى أسس القانون الدولي الحالية، والمعترف بها دولياً.
في هذا السياق، أشير إلى ظاهرة الضغط المركّب وغير المسبوق الذي يمارسه الغرب على الدول التي تنتهج سياسات خارجية وداخلية مستقلة وذات توجه قومي. نحن نتحدث عن استخدام مجموعة واسعة من الأدوات، من العقوبات المالية وقيود التأشيرات إلى حملات التضليل والتدخل العسكري المباشر. ومن حيث الجوهر، نحن نتعامل مع عودة لآليات سياسة خارجية استعمارية جديدة. تتسم هذه السياسة بسمة مميزة هي تقسيم العالم إلى مجموعة من الدول "المختارة" على جانب، وعلى الجانب الآخر بقية الدول. حيث تتمتع الفئة الأولى "المختارة" بكثير من التسهيلات المسبقة في أي إجراءات، بينما يفترض على الفئة الأخرى اتباع الاتجاهات السائدة، والتوجيهات الصادرة عن واشنطن. بالطبع، ذلك وضع غير مقبول لا لروسيا ولا لإيران ولا لمعظم دول العالم.
فيما يتعلق بالجزء الثاني من سؤالك، نحن نعتقد أنه من المهم تعزيز تعاون سياساتنا الخارجية، بما في ذلك في هيئة الأمم المتحدة وغيرها من المنصات متعددة الأطراف. علاوة على ذلك، وكما قلت، لدينا الكثير ممن يشاركوننا في نفس الأفكار: الحاجة إلى تطوير الاتصال بين الدول على أساس القانون الدولي، ومبادئ الاحترام المتبادل ومراعاة مصالح الغير، وهي أفكار تدعمها الغالبية العظمى من أعضاء المجتمع الدولي. كلهم، مثلنا، يعتبرون الألعاب الجيوسياسية الصفرية، والعقوبات، والابتزاز، أموراً غير مقبولة، ومهتمون كذلك بتحسين مستمر للوضع في العالم.
المصدر: RT