حين يولد الجمال من رحم القبح.. ولا عزاء للأرقام الفردية

مجتمع

حين يولد الجمال من رحم القبح.. ولا عزاء للأرقام الفردية
انسخ الرابطhttps://ar.rt.com/ip04

شهدت موسكو في السادس من ابريل فعالية تضامن شعبي مع بطرسبورغ حملت اسم "بيتر نحن معك"، وذلك جراء الاعتداء الإرهابي الذي أصاب بطرسبورغ وأسفر عن مقتل 14 شخصا وجرح 42 من أبناء المدينة.

كثيرا ما توصف بطرسبورغ بأنها المدينة المتحف تحت السماء والعاصمة الشمالية، وكذلك العاصمة الثقافية لروسيا.. ولكنها في الأمس تحولت إلى عاصمة العاصمة وقلبها النابض من قلب موسكو في الميدان الأحمر، هذا اللون الذي يرمز بالثقافة الروسية إلى الجمال، فكانت الفعالية أكثر من مجرد تجسيد لتعاطف شعبي.. فهل يكون التعاطف مع الذات ؟ لقد كانت هذه الفعالية عرفاناً من موسكو إلى شقيقتها الشمالية التي ضربت أروع أمثلة الجمال.

فقد أعطى أبناء بطرسبورغ الباردة درساً لنا جميعاً في دفء المشاعر والتعاضد الحقيقيين.. إذ هبت المدينة لتضمد جراحها قبل أن تصرخ صرخة الألم. أدى العمل الإرهابي إلى تعطل مترو المدينة، وسيلة النقل العامة الأهم في المدن الروسية، فبدأ سائقو سيارات الأجرة بنشر إعلانات تفيد باستعدادهم لنقل الراغبين إلى منازلهم دون مقابل، كما انضم الكثير من المتطوعين، رجالاً ونساءً، وعرضوا الخدمة ذاتها بسياراتهم الخاصة.. وعلى الفور تفاعلت محطات الوقود وزودت سيارات التاكسي دون مقابل أيضاً.. فيما فتحت المطاعم والمقاهي أبوابها لمن وجد نفسه أسير الحالة الاستثنائية فاستضافتهم، وقدمت لهم المشروبات الساخنة إلى حين تتسنى لهم العودة بسلام إلى بيوتهم.. ففعل الخير معدٍ أيضاً.

شهدت الساحة الحمراء تجمعاً لحشد كبير لعشرات الآلاف من أبناء موسكو، وضيوف المدينة، وكاتب هذه السطور أحد هؤلاء، يحرسهم رجال أمن من الشباب، بل يمكن لمن هم في سني القول إن بعضهم من الأطفال يمثلون مختلف الأديان والقوميات في روسيا، تماماً كما هم ضحايا العمل الإرهابي الأخير.. الأخير حتى لحظة كتابة هذه السطور.

تدفق عشرات الآلاف من الناس كل منهم يحمل في يده باقة من الورد.. ويجب حسب العرف السائد في روسيا أن يكون عدد الورود زوجياً إذ أن عدد الورود الفردي للمناسبات السعيدة التي تنحت جانباً على خلفية كوارث ومعاناة حلت بالعالم، وجعلت الحياة عبارة عن مشهد دموي طويل صار فيه ما بعد يشبه ما قبل.. لا يربط بين أجزائه سوى رقم زوجي يضفي بظلاله على رقم زوجي آخر ينتظر.

لم أعد أذكر متى كانت آخر مرة اشتريت فيها باقة ورد تعبيراً عن مشاعر طيبة أو لتهنئة صديق رُزق بطفل جاء إلى هذا العالم، وليس تعاطفاً وتضامناً مع ضحايا إجرام بات يتربص ببني البشر. فهل يحق للعالم استقبال أطفال جدد، إما يتبنون الإرهاب أو يعيشون في هاجس السقوط كضحايا له ؟ بات الورد رمزاً للظلام الذي يفرضه الإرهاب بعد أن كان رمزاً لكل ما هو جميل.. كما كان ذات يوم.. ذات يوم ولكن.. للأسف. باقة ورد هنا تخليداً لذكرى السفير الروسي أندريه كارلوف.. وباقات من الورد لملامسة أرواح ضحايا الاعتداءات في بلجيكا وفرنسا وبريطانيا.

هناك من يقول الإرهاب لن يخيفنا ! بل هو يخيفنا ولا بد أن يخفينا.. ولن تتمكن البشرية من الانتصار على هذا الذعر الذي يحتل كيانها في حال لم تدرك حجم الخطر المحدق بها.. وإدراك هذا الخطر لا يكون إلا بالخوف منه قبل العمل على التصدي له.         

في أثناء صياغة هذه المادة وقعت عملية دهس في السويد أسفرت عن مقتل 3 أشخاص.. وها أنا أستعد لشراء باقة ورد لأضعها على عتبة السفارة السويدية. وعلى العموم عملية المجرم قديمة جديدة وعنوان الضحية قديم جديد أيضاً.. فالسفارة السويدية لا تبعد سوى خطوات عن السفارة الألمانية التي قصدتها مؤخراً للهدف ذاته.. .. ولا عزاء للأرقام الفردية.. لم يعد للأرقام الفردية متسع.   

علاء عمر

موافق

هذا الموقع يستخدم ملفات تعريف الارتباط .بامكانك قراءة شروط الاستخدام لتفعيل هذه الخاصية اضغط هنا