استعادة السنة الجديدة.. أطفال روس يبعثون ببطاقات تهنئة للأطفال السوريين
أشجار عيد الميلاد المزيّنة.. القفازات الحمراء.. والأطفال السعداء. هذا ما تضمنته البطاقات البريدية التي أعدها طلاب منطقة "تفير" الروسية لأقرانهم السوريين.
تظهر هذه الرسومات أحلام الطفولة، وانتظار عطلة هادئة وحياة مسالمة.. الأمر الذي نسيه الأطفال العرب، مع شديد الأسف.
انتهت مسابقة بطاقات التهنئة للأطفال بمنطقة "تفير" الروسية، حيث رسم الأطفال بطاقات تهنئة للأطفال السوريين، وترجمت هذه البطاقات إلى اللغة العربية، ووضعت في صناديق جميلة بمناسبة العام الجديد، وتم تسليمها إلى سوريا الأسبوع الماضي مع إحدى شحنات المساعدات الإنسانية. هي فرصة لدعم أطفال المدارس السوريين، وتكوين صداقات معهم. ففي نهاية المطاف، ما الذي يمكن أن يكون أهم من التفاهم المتبادل بين البشر؟
تعلّم التعاطف
في ليلة رأس السنة الجديدة، نسعى دائما أن نؤمن بالأسطورة، ونحاول أن نغرس في أنفسنا اعتقادا بأن العام المقبل سوف يكون أفضل من السابق، وهو أمر يحلم به الكبار قبل الصغار. فما الذي يمكن أن نقوله عن الأطفال، ممن يعيشون لعدة سنوات تحت نيران القصف والحرب التي اندلعت بسبب أطماع الكبار؟!
لهذا نشأت دعوة أطفال المدارس في منطقة "تفير" لمشاركة جزء من دفئهم مع أقرانهم من سوريا، من خلال إعداد بطاقات تحتوي على كلمات وصور بسيطة لكنها صادقة ومؤثرة.
تم تنظيم المسابقة من قبل المنظمة الروسية المجتمعية لقدامى المحاربين "رابطة المقاتلين" وكنيسة شفاعة السيدة مريم العذراء في قرية "تورغينوفو". وقد قامت هذه المنظمة المجتمعية من قبل بتنفيذ أكثر من مشروع لمساعدة الأطفال السوريين. ودعم هذه المسابقة الخبير السياسي والشخصية العامة، رامي الشاعر، والذي ولد في فلسطين، لكنه قضى سنوات طفولته في سوريا، لذا فهو يعرف ما يجري في العالم العربي عن كثب.
وصرح الشاعر بأن "الفئات الأكثر ضعفا من السكان هي دائما الأكثر تأثرا بالاشتباكات المسلحة. لكن الثمن الأكبر في الصراع السوري، الذي استمر لعدة سنوات، يدفعه الأطفال. فقد سلبت الحرب آباءهم وفرصة العيش تحت سقف منازلهم والذهاب إلى مدرستهم الحبيبة".
وتابع الشاعر: "منذ أيام طافت العالم لقطات فيديو مروعة من مدينة البصرة العراقية، لطفل يبكي، ويعانق آخر، مستلقيا على ظهره على الأرض، وقد وافته المنية. كان ذلك الطفل الآخر هو أخوه الذي مات من الجوع.
واقعة مفجعة روعت العراق، الذي يعد أحد أغنى البلدان في الشرق الأوسط، لكن السكان المدنيين ليسواف قراء فحسب، بل يموتون جوعا وسط الشارع في وضح النهار كما نرى. وللأسف، ليست تلك حالات فردية على الإطلاق. ربما تساعد هذه اللقطات من مدينة البصرة أخيرا في تسليط الضوء على ما يحدث، والتواصل مع كل من هو مسؤول عما يحدث اليوم في الوطن العربي.
من ناحيتي، أدعو جميع السياسيين في الشرق الأوسط، وممثلي هيئة الأمم المتحدة، إلى الاهتمام بهذا الوضع، فتلك أمور لا يجوز السكوت عنها.
أما هذه المسابقة الخاصة ببطاقات التهنئة بالعام الجديد، فإنها تعكس رغبة الأطفال في أي مكان حول العالم، وأينما يعيشون، في أن يكونوا ببساطة أطفال. ولا يجوز سرقة طفولتهم منهم".
بالنسبة للأطفال السوريين، تعد هذه المسابقة دعما كبيرا، وبالنسبة لأطفال مدرسة "تفير"، فهي تعزز الشعور بالتعاطف مع أحزان الآخرين، وهي فرصة لإدراك أن كل شخص، بصرف النظر عن عمره، يمكنه تقديم مساهمة، ولو صغيرة جدا، في إرساء السلام والمساعدة المتبادلة حول العالم.
شارك في المسابقة ما مجموعه 457 طفلا من أربع مدارس تقع داخل حدود حديقة "زافيدوفو" الوطنية، ولاختيار الفائزين بهذه المسابقة تم وضع معايير أصالة الأفكار وتقنية التنفيذ ومحتوى التهنئة. وكانت الجائزة للفائزين عبارة عن جهاز إلكتروني قيم.
وعلى الرغم من إعلان نتائج المسابقة، وتحديد الفائزين، إلا أن الأمر لا ينتهي عند هذا الحد، حيث تحتوي كل بطاقة بريدية على اسم وعنوان كاتبها، وهو ما يعني أن أطفال سوريا وروسيا سيتمكنون من تبادل الرسائل والبقاء على اتصال وتكوين صداقات.
من جانبه قال رئيس كنيسة شفاعة السيدة مريم العذراء في قرية "تورغينوفو"، رئيس الكهنة، أندريه ميلياييف: "لقد حاولنا أن نقدم دعما إنسانيا عاديا وبسيطا، من خلال التواصل مع أطفال بلد آخر يعاني من أفظع الكوارث، ليتمكن تلاميذ المدارس السورية من رؤية عالم آخر طيب بدلا من رؤية الدبابات والمدافع. ومهمتنا هي أن نظهر للأطفال السوريين حياة سلمية، ولأطفال مدارسنا أن يلمسوا الأوتار الضرورية: القدرة على التعاطف وتقديم الدعم".
بابا نويل للمرة الأولى
وصلت بطاقات التهنئة البريدية لأطفال المدارس من منطقة "تفير" الروسية إلى سوريا في 21 ديسمبر الجاري، كما تم تنظيم حفل كبير للأطفال المقيمين في دمشق وضواحي العاصمة السورية المحررة، بمساعدة سفارة روسيا الاتحادية ومركز المصالحة بين الأطراف المتحاربة. وأقيم الحفل كذلك في مار يام، حيث كان من بين الضيوف أطفال لاجئون من الزبداني، وهي مدينة بقيت في أيدي المسلحين لما يقرب من 6 سنوات، لكنها تعود الآن إلى الحياة السلمية، بما في ذلك كنيسة رقاد السيدة العذراء، التي تساعد روسيا في ترميمها. وبفضل ذلك، يأمل الأطفال وأولياء أمورهم، الذين ظلوا بعيدا عن وطنهم لفترة طويلة، في العودة إلى ديارهم في المستقبل القريب.
من جانبه صرح النائب الأول لرئيس منظمة "رابطة المقاتلين"، دميتري سابلين بأنه "حتى في أصعب الأوقات، يحتاج الأطفال والكبار على حد سواء للاحتفال. لذلك، ساعدنا أخوتنا السوريين بالملابس الدافئة وتزيين وتركيب أشجار عيد الميلاد بالقرب من الكنائس في دمشق، والزبداني، ومار يام. لقد كان الأطفال سعداء برؤية بابا نويل للمرة الأولى، والذي لعب دوره بإتقان أحد ضباط مركز المصالحة بين الأطراف المتحاربة".
كذلك جلبت مجموعة من الدعم الإنساني الروسي، بما في ذلك رعايا كنيسة القيامة في "أوسبينسكي فراجيك" التابعة لموسكو، هدايا عيد الميلاد لجميع الأطفال الصغار، من المدعوين إلى الحفل. وقد هنأ الأطفال نائب بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس، المطران إفرايم سيليفكيسكي، وممثل بطريركية موسكو وسائر روسيا لدى بطريركية أنطاكية وسائر المشرق، رئيس الدير، أرسيني سوكولوف، والملحق الثقافي بالسفارة الروسية لدى سوريا، تيموفي بوكوف. بالإضافة لذلك تم تنظيم حفل رأس السنة للأطفال في كنيسة الصليب المقدس في كيسا، والتي تعد الكنيسة الأكبر لدى الكنيسة الأرثوذكسية في أنطاكية، ودعي للحفل رعايا الكنيسة من الأطفال، وأطفال الكنيسة الأرمنية وأطفال الشهداء من الجيش السوري.
الحاجة للمساعدة والدعم
ربما يجد المواطنون في البلدان المزدهرة اليوم صعوبة في تخيل ما يمكن أن تعنيه الحياة في ظروف العمليات العسكرية المستمرة، وتحت رحمة المجهول، بلا طعام، أو سقف فوق الرؤوس، وفي ظل خوف دائم على النفس والأحبة. وتلك هي حياة السوريين منذ عدة أعوام، بينما يعاني الأطفال، أكثر من أي شخص آخر، من العزلة. فهم أبرياء، لا ذنب لهم، يتحملون المصاعب على قدم المساواة مع الكبار.
في السنوات الأخيرة، كان المجتمع الروسي يفعل الكثير لمساعدة الشعب السوري، وهذا الدعم غالبا ما يكون أملهم الرئيسي. وحتى بطاقات التهنئة البريدية، أو حفلة للأطفال، والتي يمكن أن تبدو للوهلة الأولى أمرا صغيرا للغاية، لها أهمية كبيرة لأولئك الذين وجدوا أنفسهم في مواقف صعبة، ويدركون مدى أهمية الدعم في هذه اللحظة بالتحديد. أحيانا تكفي بضع كلمات، لتمنح القوة وتعيد الإيمان بالأفضل، وأي توقيت أفضل من أعياد الميلاد ورأس السنة كي يتقاسم الإنسان الخير مع أخيه الإنسان؟
لقد تمنى الأطفال في مدارس "تفير" الروسية لأقرانهم السوريين "السعادة، السماء الهادئة، الضحك، تحقيق الرغبات" ومئات من الكلمات الأكثر بساطة، ولكنها في الوقت نفسه الأكثر أهمية. لقد عبر الأطفال برسوماتهم عن الشمس، والصداقة، والاحتفال، والمعجزة، كلمات يجب أن تدخل في نهاية المطاف إلى قاموس الأطفال السوريين، بل قل إلى قاموس كل شخص على وجه الأرض.
بالمناسبة..
يوجد في موسكو مشروع "مدرسة الخير"، والذي يهدف أيضا إلى ضمان قيام المدارس بجمع المساعدات الإنسانية للأطفال الذين يعيشون في مناطق النزاع المسلح. حيث يمكن أن تكون الملابس ولعب الأطفال والأدوات المكتبية والهدايا التذكارية من بين تلك المساعدات.
المصدر: أرغومنتي إي فاكتي