درس في الخيانة.. لفئة +6

انسخ الرابطhttps://ar.rt.com/kv6a

تناول برنامج حواري علىRT ONLINE  موضوعاً، ربما يمكن وصفه بأنه أحد أكثر المواضيع حساسية في مجتمعنا العربي المحافظ بطبعه، وهو موضوع "الاستربتيز" والعاملين في هذا المجال.

بداية ثمة سؤال يطرح نفسه.. هل مجتمعنا العربي مُحافظ فعلاً أم يبدو كذلك؟

في الحقيقة يبدو لي أن مجتمعنا العربي محافظ فعلاً، حتى وإن بدا بالنسبة للبعض عكس ذلك، إذ إننا نعيش حالة من الشيزوفرينيا. فنحن تماماً مثل رجل المافيا الصقلي الذي نراه في الأفلام الهوليوودية، حين يأمر بقتل خصمه، ثم يصلّي طالباً له الرحمة وهكذا نحن. فمن جهةٍ الكثير منا محافظون دوماً ومتحفظون دائماً، إلا أن هذا لا يمنع بتاتاً، من جهة ثانية، أن يتابع هؤلاء أعمالاً فنية تحتوي على الكثير من المشاهد المليئة بالإيحاءات المخلّة بالآداب، وبالمفردات الخادشة للحياء. فهؤلاء صادقون في تحفظهم وصادقون في تحررهم على حد سواء.. متحفظون صباحاً متحررون مساءً.

قبل الخوض في تفاصيل القضية المطروحة، لا بد من الإشارة إلى أن رقص الاستربتيز وكل ما شابهه من أنواع الرقص، كالشرقي مثلاً، لا يمت للفن بأدنى صلة، إلا إذا كان فن الإثارة الجنسية في إطار المقبلات لليالي الحمراء، تتقنه المرأة لإثارة شريكها، أو زوجها، في حال لم يبلغ هذا الأخير بعد المرحلة التي تتحول فيها زوجته إلى أخت.. أخت عزيزة.

دار حوار RT ONLINE  حول محتوى برنامج آخر، عُرض على شاشة إحدى القنوات اللبنانية، ظهر فيه شاب (إيلي) يمارس التعري والرقص المعروف بالاستربتيز، بهدف مناقشة هذه الظاهرة "المنتشرة في لبنان" وفق تأكيد ممن شاركوا في الحوار الذي أدارته الإعلامية آنا كنيشينكو.

ضيفة البرنامج الناشطة، "صديقة آر تي أونلاين" فاطمة هندر استهلّت مشاركتها بالإشارة إلى رفضها لمحتوى ما عُرض على القناة اللبنانية، وهو رد متوقع بطبيعة الحال من السيدة هندر، إذ يصعب تخيّل سيدة محجبة تعبّر عن تأييدها لهكذا برامج. وعلى الرغم من أن الخلل الفني حال دون تعريف المشاهد بانطباعها بالتفصيل، إلا أن صورتها الظاهرة على الشاشة بحد ذاتها كفّت ووفّت.. حتى لو لم تقل كلمة واحدة.

تحدث أحد ضيوف  RT ONLINE، الكاتب ربيع فرّان الذي تم تقديمه على أنه معد البرنامج المثير للجدل من بيروت، فنوّه إلى أن الهدف من استضافة الراقص المتعري كان "تسليط الضوء" على هذه الظاهرة لأنها واقع "لا نستطيع الهرب منه". في الحقيقة تبدو هذه حجّة واهية وهو ما تحدثت عنه ضيفة  RT، الصحفية كارولين عاكوم، التي أعربت عن تأييدها من حيث المبدأ لإثارة مواضيع حساسة، ولكن بلا مغالاة، ودون استضافة راقص ليعطي درسا عمليا.

ولا يسعني هنا سوى أن أضم صوتي إلى صوت السيدة كارولين، وأن أضيف من الشعر بيتاً كما يُقال، وذلك بتساؤل.. في حال أراد قائمون على أي برنامج حواري التطرق إلى قضايا اجتماعية مهمة وحساسة، كالخيانة الزوجية مثلاً، هل من الضروري استضافة الطرف الخائن ليشرح لنا عملياً كيف مارس خيانته؟ أم نكتفي كمشاهدين بالاستعانة بممثلين يجسدون لنا موضوع النقاش؛ كي نتلمس الحالة ونتحسس الأجواء؟ فربما لا يعرف معظمنا معنى الخيانة الزوجية دون Master Class!.. ويا حبذا لو بالألوان.

هناك رد تقليدي يلجأ له كل من يروّج لأمور ومواضيع ومشاهد يعلم مسبقاً أنها ستثير الجدل، وذلك بالتحذير من أن هذه المادة أو تلك هي لفئة +18، أو +16، ما يعد محفزاً لمشاهدته من قِبل من هم دون هذا السن قبل غيرهم.

التنويه بأن الخبر لفئة +18 في الواقع تنويه على غرار زاوية تجدها في كثير من المطبوعات تحمل عنوان "لا تقرأ هذا الخبر"، ما يدفع المتلقي لقراءة "هذا الخبر" بالتحديد وقبل غيره، علماً أنه لو كُتب تحت عنوان عادي وفي زاوية "اقرأ هذا الخبر" مثلاً، ربما لن يطّلع عليه أحد. أما إذا كان الخبر مثيراً أو مقززاً، فيتسلّح كاتبه على الفور بأنه قد حذّر ونوّه ونبّه إلى عدم قراءته.

علاوة على ما تقدم.. كل شيء بات مُتاحا الآن. فما تتعذّر مشاهدته على شاشة التلفزيون يمكن مشاهدته على شاشة الآي فون. وبما أن القدرات العقلية والذهنية لدى أطفال اليوم أعلى مما كانت عليه لدى آبائهم، فهذا يعني أنه، وفي حال استمرت وتيرة "النمو" الذهني في السير بهذه الخطوات العريضة وعلى نفس الوتيرة، سنصل حتماً ذات يوم إلى إعلان تحذيري لفيلم أو برنامج لفئة +6. ولكن في ظل هذه الظروف العصرية التي نعيشها، هل هناك حاجة أصلاً لتحذير من هذا النوع؟

حكاية أفلام +18 هذه تذكرني بواقعة حصلت في بريطانيا، حول مراهقين ارتكبا جريمة، فراح أحدهما يهدئ من روع شريكه أثناء البت بالقضية في المحكمة بقوله: "لا تخف. قلت لك.. لن نُعاقب بصرامة فنحن لم نبلغ سن الرشد بعد"، ليرد القاضي بعد أن سمع هذا التصريح الخبيث بقوله: "حسناً. أنت إذاً شخص مُدرك لفعلتك التي اقترفتها عن وعي"، وليُصدر حُكمه عليهما كما لو كانا بالغين.

لكل بضاعة من يشتريها وإن كانت فاسدة. والعيب.. أو لنضع نقطتيّ الياء فوق ونقول.. العتب ليس على من يبيع بقدر ما هو على من يشتري. كاتب هذه السطور ضد الحظر والرقابة.. فليقل وليفعل من يشاء ما شاء، بما أنه لم يتجاوز حدود غيره، ولكن شريطة أن يتمتع المجتمع بالحد الأدنى من الوعي الذي يجعله يعبّر عن رفضه لهذا الفيلم أو لذاك الفيديو كليب بأن يتجاهله، وشيئاً فشيئاً يقل طلب بضاعة على هذه الشاكلة، فتكسد وتصبح التجارة فيها مضيعة للوقت.. ناهيك عن أنها غير مربحة.

شخصياً لا يعجبني التعرّي في الفيديو كليب لأنه لكل مقام مقال. لذلك لا أستسيغ مشاهدة العري في فيديو يُفترض أنه مخصص لأغنية، قد أسمعها في حال كانت جيدة، علماً أنني أستبعد أن تلجأ فرقة موسيقية جادة أو مغنية مسؤولة تحترم عقول متابعيها، إلى هذه الأساليب الرخيصة للفت الانتباه واستمالة الجمهور، إلا إذا كان جمهورها أحد طرفيّ الصفقة في المثل القائل: رزق الهبل على المجانين.. وهنا مربط الفرس.

أما إذا أردتُ أن أمتع نظري بجسد عار، جسد فتاة طبعاً وليس جسد إيلي وأصدقائه، فإنني أشاهد فيلم بورنو، على الأقل لأن هذا النوع من الأفلام من وجهة نظري مبرر أكثر من فيديو كليب خليع يُقال لنا إنه لفنانة، علماً أنه ليس سوى لفتاة تتدلع وتتلوى، وهي تكشف، من ضمن ما تكشف، عن حبها للموز مثلاً، بطريقة مثيرة فعلاً، ولكن للضحك أحياناً وللشفقة في أحيان أكثر، على حال الهبل والمجانين.. وعلى حالنا.

إذاً.. هل أخطأ القائمون على القناة اللبنانية بعرض ما عرضته على شاشتها؟ من حيث المبدأ لا. قانونياً كحد أدنى.. بل حتى أخلاقياً. ثم ما الفرق بين التعري الذي مارسه إيلي تحت مُسمّى تعرٍ، والتعري الذي تمارسه "مغنية" تحت مُسمّى فن؟!! من المنافق في هذه الحالة؟ لكن من جانب آخر، سأذكّر هنا بمقولة السيد المسيح التي أتبناها دائماً: "لا تُدينوا فلا تُدانوا... اغفروا يُغفر لكم". ليس هذا موقف دفاع عن القناة اللبنانية بداعي "الحضارة والتحضر"، فالحضارة لا تكون بالتعرّي وبالانفتاح  لمجرد الانفتاح فليس هذا الهدف، وإنما هو موقف دفاع عن حق التعبير واستثارة المشاهد المتطفل، سواء باسم الأخلاق أو باسم اللا أخلاق، طالما أن هذا الأخير يرغب.. ومستعد لأن يُستثار دون عناء يُذكر.

أما المعترضون.. وقبل أن يوجّه أي منهم أصابع اللوم وسهام الانتقاد اللاذع إلى القائمين على القناة اللبنانية، عليه أولاً مراجعة نفسه، والنظر حوله لمواجهة الواقع المر، وهو أن الجمهور الذي نصّب نفسه محامي دفاع عن الأخلاق الحميدة، هو ذات الجمهور الذي سيلتف حول رجل وامرأة يمارسان الجنس فوق شجرة مثلاً، بالطبع كي يدرس جيداً تلك المادة التي ينوي انتقادها بشدة فيما بعد، علماً أن كاتب هذه السطور سيكتفي بالمرور سريعاً بعد أن يعطي نصيحة أو اثنتين.. هذا في حال ألقى نظرة إلى الشجرة وإلى من عليها أصلاً.

قيل في إحدى القصص إن رجلاً أجّر لشاب بيتاً يفصله سور عن بيته هو، فأتته ابنته في اليوم التالي وهي تصرخ: "الشاب غير مؤدب. إنه يتجول عارياً في فناء المنزل"، فرد والدها ويده تمتد لتمسك بالكرباج: "وكيف عرفت أنه عارٍ إذا لم تتسلقي السور؟". وهكذا هو التلفزيون.. سور لا يرغمك أحد أن تتسلقه، شجرة لا تُجبر أحدا على إلقاء حتى نظرة عابرة عليها.. بعيداً عن التمسح بالأخلاق الحميدة.

أما السؤال الأهم بالنسبة لي حول الموضوع المُناقش.. ظهور إيلي  من خلال اللقطات التي عرضتها شاشة RT ONLINE وهو يتحاور عارياً مع الإعلامي المُضيف! لماذا يجب أن يكون عارياً في النقاش؟!! مهرج السيرك مثلاً لا يُجري لقاءات صحفية ووجه ملطخ بالألوان.

وأخيراً.. أغلبنا يحب أن يكون لا أخلاقيا لكننا نحب أن نبدو في الوقت ذاته ملائكة.. ما يعيدني إلى ما قاله فضيلة الشيخ التنويري أحمد الكبيسي: "نحن لا نخاف الحرام كما نخاف العيب"، وهو ما يتجسد عملياً في جرائم الشرف، على سبيل المثال، المنتشرة في عدد من البلدان العربية، والتي تُرتكب في أغلبها بناء على شكوك، دون العودة إلى الأحكام الشرعية الإسلامية وما تقتضيه من شهود أربعة.. إلا أن هذا موضوع بحث آخر.

علاء عمر

 

المقالة تعبر عن رأي الكاتب

للمزيد 

موافق

هذا الموقع يستخدم ملفات تعريف الارتباط .بامكانك قراءة شروط الاستخدام لتفعيل هذه الخاصية اضغط هنا