واشنطن وجدت دورا جديدا لألمانيا
نشرت صحيفة "نيزافيسيمايا غازيتا" مقالا عن قرار برلين زيادة عديد قواتها، مشيرة إلى أن واشنطن تريد استخدام الآلة الحربية الألمانية لردع روسيا.
جاء في مقال الصحيفة:
أعلنت أورسولا فون دير لاين وزيرة الدفاع الألمانية عن زيادة عديد القوات المسلحة الألمانية من 185 ألفا إلى 200 ألف. وفي الوقت نفسه، عن زيادة عدد المدنيين العاملين في المؤسسات العسكرية إلى 60 ألفا بحلول عام 2023.
ولا يتعارض هذا القرار مع بنود اتفاقية موسكو، التي وقعت عام 1999 وحددت عديد الجيش الألماني بـ 370 ألف عسكري. لكن المثير هنا، هو أن هذه الخطوات تتفق ودعوة باراك أوباما في قمة الناتو المصغرة، التي عقدت في هانوفر، أنغيلا ميركل إلى توسيع مشاركة الجيش الألماني في وحدات الناتو التي سيتم نشرها في الجناح الشرقي للحلف – في دول البلطيق وبولندا ورومانيا. وتأمل واشنطن أن تقدم ألمانيا وبريطانيا القوات والمعدات العسكرية اللازمة لهذا الغرض.
كل هذا ينسجم مع السياق العام للعلاقات الأمريكية – الألمانية، الذي تشكل خلال السنوات الثلاث الأخيرة. فقد أشار الرئيس الألماني يواخيم غاوك في مؤتمر ميونيخ عام 2014 إلى "دور ألمانيا الجديد في العالم"؛ مشيرا إلى أنه "في الوقت الذي لم تعد الولايات المتحدة قادرة على تقديم أكثر مما تقدمه، يجب على ألمانيا وشركائها في أوروبا تحمُّل مسؤولية أكبر لضمان أمنهم".
وكان وزيرا الدفاع والخارجية الألمانيان قد تحدثا عن ضرورة تعزيز "الدور الدولي" لألمانيا، وحظيت هذه المبادرة حينئذ بدعم ومساندة وزير خارجية الولايات المتحدة جون كيري ووزير دفاعها آنذاك تشاك هيغل، اللذين دعَوَا إلى "النهضة عبر الأطلسي".
لقد أكدت أزمة أوكرانيا وجود مستوى عال من التعاون بين الولايات المتحدة وألمانيا، بدءا من فرض العقوبات على روسيا ودعم البيت الأبيض مبادرة ميركل في "رباعية نورماندي"، ووصولا إلى رفض ألمانيا التعاون مع روسيا في توجيه ضربات جوية مشتركة إلى مواقع الإرهابيين في سوريا. وإضافة إلى ذلك، دعم الجانب الألماني في قمة الناتو، التي عقدت في سبتمبر/أيلول من عام 2014 في ويلز مشروع توسيع الوجود العسكري للناتو في بلدان أوروبا الشرقية الأعضاء في الحلف. كما أن حكومة ميركل تساند المشروع الأمريكي بشأن الشراكة عبر الأطلسي، الذي يتضمن إنشاء مناطق للتجارة الحرة بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. وبشكل عام، وافقت برلين على القيام بدور الشريك الأصغر الأساس لواشنطن في أوروبا.
ويذكر أن وزير الدفاع الأمريكي آشتون كارتر طلب من مجلس الشيوخ زيادة النفقات الدفاعية إلى 3.4 مليار دولار عام 2017 لـ "ردع روسيا"؛ وهي الاستراتيجية التي وضعت أسسها عام 2013 ، عندما نشرت المراكز التحليلية الأمريكية الرائدة تقارير تدعو إلى تحميل شركاء الولايات المتحدة الإقليميين بعض المسؤولية في ردع الصين وروسيا. ومنذ ذلك التاريخ بدأت الدبلوماسية الأمريكية في دعم الخطوات كافة، والتي تتخذها اليابان وألمانيا لتعزيز قواتها المسلحة.
وقد لقي هذا النهج تفهما في برلين، حيث يوجد في المؤسسة الحاكمة الألمانية حزبان افتراضيان: أحدهما يعتقد بضرورة جعل ألمانيا دولة عظمى عالميا؛ وكان ينتمي إلى هذا الحزب هلموت كول وغيرهارد شرودر، اللذان أدركا أن بلوغ هذا الهدف يحتاج إلى الصداقة مع روسيا.
أما الحزب الثاني، فيعتقد أن أولويات ألمانيا تتمثل في التنمية الاقتصادية في أوروبا الشرقية والتعاون مع بولندا ودول البلطيق وأوكرانيا. (المثير للاهتمام هنا هو أن حدود "الشراكة الشرقية" تتطابق مع حدود التوسع الألماني في الشرق وفق صلح بريست عام 1918) ونشاط هذا الحزب يؤدي إلى النزاع مع روسيا، وميركل ممثلته الساطعة.
لقد كان انهيار الشراكة الروسية – الألمانية ضربة موجعة لموسكو. فعلى مدى 20 سنة، كانت ألمانيا شريكا رئيسا ووسيطا في التعامل مع الولايات المتحدة، حيث كانت موسكو تأمل أن تنهض ألمانيا كقوة عظمى على أسس مناهضة للولايات المتحدة، أو كقوة موازية لها على أقل تقدير. وقد رحبت موسكو بأن تلعب برلين دور قاطرة التكامل الأوروبي وزيادة دورها الدبلوماسي في الشرق الأوسط، وكذلك بتنسيق الجهود بين برلين وباريس في تشكيل منظومة "الأمن الأوروبي" من دون مشاركة لندن وواشنطن.
إن تحول ألمانيا إلى دعامة لردع روسيا، يقفل أمام الدبلوماسية الروسية نافذة مهمة. ولكن هذه النافذة ستغلق أيضا أمام برلين إمكان تعزيز نفوذها السياسي، لأنها ستتحلل في الشراكة عبر الأطلسي.
حكومة ميركل تعتقد أن هذه التضحيات مبررة، ولكن هل توافق عليها حكومة ألمانيا المقبلة، التي ستحل محلها عاجلا أم آجلا ؟
المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة أو الكاتب