الكرملين و"القبائل" الحاكمة في آسيا السوفيتية

أخبار الصحافة

الكرملين و
الكرملين و" القبائل" الحاكمة في آسيا السوفيتية.
انسخ الرابطhttps://ar.rt.com/s8pk

بعد أن صمتت البنادق، وزج الألوف في المعتقلات، ومع إكمال سحب قوات منظمة معاهدة الأمن الجماعي من كازاخستان، اعترف الرئيس الكازاخي قاسم توكايف، بمسؤولية الحكومة التي أقال رئيسها وسبعة من وزرائها، بالمسؤولية عن أزمة المعيشة، وانتقد التوزيع غير العادل لثروات بلد زاخر بمواد الطاقة والمعادن، بضمنها النادرة، ملمحا إلى أن حفنة من المضاربين يتحكمون باقتصاد كازاخستان.
واستفاد توكايف من الأحداث الدامية الأخيرة، فأبعد عن مراكز السلطة، مجموعة من المسؤلين الأمنيين، المحسوبين على سلفه نور سلطان نزارباييف، الذي ظهر بعد غياب دام ثلاثة أسابيع عن المشهد، ليعلن في خطاب موجز، أنه لم يغادر "العاصمة"، متحاشيا ذكر اسمها" نور سلطان" تيمنا باسمه، وأكد أنه متقاعد منذ العام 2019، وأن كل مناصبه تحولت إلى الرئيس الوريث.
ومع أن توكايف، يتحدث عن خطة للاصلاح الجذري، إلا أنه لم يوضح طبيعة النهج لنظام كاد يسقط لولا التدخل السريع للقوات الروسية، وقوات رمزية من دول أعضاء في معاهدة الأمن الجماعي، أنهت انسحابها بعجالة ولم يمض على وجودها في كازاخستان غير أقل من أسبوع.
ويلفت المراقبون إلى أن توكايف، يتحاشى في خطاباته، ذكر اسم سلفه صراحة، ويكتفي بالقول أن حفنة من الأشخاص، أتاح لهم "أبو الأمة" الإثراء على حساب الشعب.

وكان برلمان كازاخستان، منح الرئيس المتقاعد نور سلطان نزارباييف، هذا اللقب، حين اعتزل السلطة شكليا عام 2019، محتفظا بمنصب رئيس مجلس الأمن الوطني، وتنصيب أقاربه ومواليه في المواقع الأمنية، والوزارات السيادية.

ويوصف الرئيس الكازاخي، توكايف، بأنه دبلوماسي محترف، بدأ صعوده في الحقبة السوفيتية، يتقن الإنكليزية والفرنسية والصينية إضافة إلى اللغة الروسية.

وإلى ما قبل الأحداث الدموية الأخيرة، اتسم خطاب وريث نزارباييف، بالاعتدال، والتهذيب، الأمر الذي جعل المراقبين يتفاجئون بخطابه العنيف، الذي اتهم فيه قوى خارجية، بالوقوف وراء الاضطرابات في بلاده، مشيرا إلى أن 20 ألف إرهابي دخلوا البلاد، وقال إنه أمر بأطلاق النار دون سابق إنذار.

ولم يمر غير يومين، على تصريحات توكايف العنيفة، حتى تم استعادة السيطرة على الاحتجاجات، وفي نفس الوقت، جرى سحب تصريحات الرئيس من شريط الأخبار الرسمية.

يسود الاعتقاد، أن توكايف، قرر عمليا، شن حملة تطهير ضد المراكز المالية، المعشعشة في سدة الحكم، برعاية سلفه نزارباييف وأسرته. وأن الأحداث الدموية الأخيرة، التي لم تقدم السلطات الكازاخية أدلة مقنعة، على ارتباطها بالخارج، تمنح توكايف تفويضا بتقليم أظافر المجاميع الأولغارشية، واستعادة الأموال المنهوبة، بدءا من الإعلان عن تشكيل ما يعرف بـ"صندوق الشعب" وألزم أصحاب الثروات بتمويله، بمعنى إعادة المنهوب، والإجراء الآخر، إبعاد الرئيس السابق (أبو الأمة) عن مجلس الأمن الوطني، وقطع الطريق أمام تدخلاته في صنع القرار. ولعل الإجراء القادم، سحب اللقب، وإلغاء تسمية عاصمة البلاد تيمنا باسم نزارباييف، واستعادة الاسم السابق (أستانا).

ويلوح أن قرار توكايف، التعجيل بانسحاب قوات معاهدة الأمن الجماعي من كازاخستان في غضون عشرة أيام، يهدف إلى قطع الطريق على القوى القومية المتطرفة في البلاد، والتي أخذت تروج لشعار "الاحتلال الروسي" لكازاخستان، وعدم منح قوى المعارضة، الذريعة، للطعن في وطنية الرئيس وفي قدرته، على معالجة تداعيات الأزمة، دون عون من الخارج، حتى لو كان من الحليف الروسي.

وخلافا للمعتاد، لم تتحدث واشنطن وحليفاتها الغربيات، عن انتهاكات رافقت حملة استعادة السيطرة على البلاد، وأدت إلى سقوط متظاهرين سلميين، لم يقوموا بعمليات نهب أو سلب، وكانوا عزلا من السلاح.

ويفسر هذا التجاهل الغربي بأن حجم المصالح الأميركية والأوربية التجارية والاقتصادية في كازاخستان، من الضخامة بما لا يقاس بالاستثمارات الروسية التي لا تزيد عن سبعة بالمئة، فيما تتنافس الولايات المتحدة وهولندا مع الصين، على حصة الاسد في الناتج الإجمالي للاقتصاد الكازاخي، وبشكل خاص في حقول الطاقة والتعدين، والنشاط المحموم لأكثر من 500 شركة أميركية و350 شركة هولندية في مجالات متعددة.

وعلى الضد من رغبة موسكو، واصلت كازاخستان، مناورات دورية مع حلف شمال الأطلسي(الناتو) تحت رمز (الشراكة من أجل السلام)، العنوان المستفز للكرملين الذي يرى في الناتو، حلفا معاديا، يخوض حروبا أدت إلى تخريب دول، كانت حليفة لروسيا، كالعراق وليبيا، والآن في سوريا.

لكن "قبيلة نزارباييف" التي تشمل الأبناء والأصهار والأحفاد والأقارب، تجد في بنوك وعقارات دول الناتو، ملاذًا أمنًا للأموال المنهوبة. ما يحتم على الحكومات الغربية، صرف النظر عن انتهاكات حقوق الإنسان، في كازاخستان الغنية بالموارد والمعادن النادرة، وتخضع لهيمنة أسرة وأقارب وحاشية نزارباييف.

وتتناقل الوكالات، تقارير دورية، عن تجريد قبيلة نزارباييف من امتيازاتها، وتكشف عن حجم الأموال، والمصالح، والعقارات، والشركات المرتبطة بعدد محدود من الأشخاص، يحضون برعاية واشنطن وحليفاتها الغربيات.

ووفقا لمدير المجلس الروسي للعلاقات الدولية، الدكتور أندريه كورتونوف، في مقابلة مع"قصارى القول" فإن القوات الروسية، قامت عمليا بحماية المصالح الأميركية والغربية بدخولها كازاخستان.

وإن التعويل على قيام تحالف عسكري يضم كازاخستان وروسيا ودول أخرى من بلدان الاتحاد السوفيتي السابق، يبدو استنتاجا متعجلا، وبحاجة إلى فهم أعمق.


بمعنى أن موسكو، يجب أن تعتمد على قدراتها الدفاعية، لوحدها، في المواجهة مع الناتو إذا حانت ساعة المجابهة، ولا يمكن التعويل على حلفاء، يمارسون لعبة مزدوجة مع الغرب، بحكم المصالح التجارية للأسر الحاكمة في بلدان المدار السوفيتي السابق.

وينطبق ذلك على أذربيجان وطاجيكستان، وقيرغيزستان وأوزبكستان (وتمتنع عن الانضمام إلى معاهدة الأمن الجماعي بزعامة روسيا) وتركمستان، وأرمينيا، وكازاخستان التي قد ينجح رئيسها توكايف في الحد من النفوذ المالي والسياسي لقبيلة نزارباييف، لكنه لن يتمكن من فك ارتباط اقتصاد بلاده، بالاحتكارات الغربية والأمريكية، المهيمنة على صناعات الطاقة والمعادن، العمود الفقري للاقتصاد الكلي، وللصادرات.
ومع أن الأسر الحاكمة في الساحة السوفيتية، الآسيوية السابقة، تظهر قدرا مبالغا من الود، والتقرب من موسكو، إلا أن عيونها نحو الغرب. وتمنح شركاته الامتيازات، وتضمن بذلك، السكوت عن انتهاكات أنظمة الاستبداد الشرقي لحقوق المواطنين، وتعاني غالبيتهم من الفاقة، وضيق ذات اليد، الأمر الذي يفسر حجم العمالة الرخيصة، لملايين الشغيلة الوافدين من جمهوريات آسيا الوسطى للعمل في المدن الروسية الكبرى، مثل موسكو وبطرسبورغ، في خدمات التنظيف، النقل، وغيرها من الأعمال السوداء، مقابل أجور لا يقبل بها المواطن الروسي.

تدرك موسكو، أن الحليف الوحيد الأكثر ضمانة، نسبيا، في الساحة السوفيتية السابقة، هو الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو، الذي اضطر بحكم الحصار المفروض على بلاده من قبل واشنطن والاتحاد الأوروبي، إلى ترك اللعب على الحبلين، والتوجه تماما نحو موسكو، بعد سنوات من القفز بين قبلتين.

وتمثل بيلاروس، من الناحية العسكرية الجيوسياسية، منطقة عازلة بين روسيا وحلف الناتو، الساعي لتحويل أوكرانيا، إلى قاعدة عسكرية في مواجهة روسيا، جنبا إلى جنب مع جمهوريات البلطيق السوفيتية السابقة، المشروع الخطير الذي تستعد موسكو، لاجهاضه، ملوحة باللجوء إلى الحل العسكري في حال لم يوقف الناتو توسعة باتجاه الشرق.

سلام مسافر

المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة أو الكاتب

تويتر RT Arabic للأخبار العاجلة
موافق

هذا الموقع يستخدم ملفات تعريف الارتباط .بامكانك قراءة شروط الاستخدام لتفعيل هذه الخاصية اضغط هنا

لحظة بلحظة.. تطورات الهجوم الإرهابي على مركز كروكوس التجاري بضواحي موسكو ومصير الجناة والضحايا