الحقيقة الغائبة عن الحرب وحصار لينينغراد

أخبار الصحافة

الحقيقة الغائبة عن الحرب وحصار لينينغراد
انسخ الرابطhttps://ar.rt.com/o682

قبل ستة أعوام وقف على منصة البرلمان الألماني وهو يسند جسده إلى عكازه، رافضا الجلوس على الكرسي المعد له وهو يلقي كلمته التي تركت أثرا كبيرا في ذاكرة مستمعيه.

قرابة الساعة المستشارة أنغيلا ميركل بقيت مطأطئة الرأس كغيرها من أعضاء البوندستاغ، ولا أعرف أكان ذلك بفعل الخجل أم التضامن أم الاعتراف بالمسؤولة الأخلاقية عن المأساة البشعة، التي عاشها أبناء مدينة لينينغراد خلال الحصار الذي فرضته القوات النازية على مدى 900 يوم على المدينة لعلها تسقط، وتصبح بوابة أمام أدولف هتلر للسيطرة الكاملة على الاتحاد السوفييتي.
كان دانييل غرانين تنطق الكلمات بصعوبة، لكن وقعها وصداها تحت قبة الرايخستاغ كانت بمنزلة الصرخة التي أيقظت الضمير الإنساني.

دانييل غرانين البالغ من العمر 95 عاما، لم تخنه الذاكرة حول أبسط تفاصيل مرحلة الحرب والحصار التي عايشها، وكان لديه من الجرأة ليقول:"أتحدث إليكم ليس بصفتي كاتبا أو مؤرخا أو شاهدا على تلك الحقبة المآسوية في تاريخ مدينتي لينينغراد بل بصفتي جنديا سوفييتيا شارك في الدفاع عن المدينة وقاتل القوات النازية وانتصر عليها، لو تعلمون كم أن لدي من الرغبة الغريبة بأن أخبر جميع زملائي الجنود القتلى، الذين لم يدركوا أننا انتصرنا، والذين لاقوا مصرعهم وهم على قناعة بأننا سنخسر الحرب، وكانوا على يقين من أننا في نهاية المطاف سنستسلم وأن المدينة لن تنجو، كل ما أريد القول لهم إننا ما زلنا على قيد الحياة وأنهم لم يقضوا عبثا".
اليوم في مدينة سان بطرسبرغ يذهب الناس إلى مقبرة بيسكاريفسكوي وهي واحدة من المقابر الرمزية في المدينة. يأتون ليتذكروا الذين ماتوا خلال سنوات الحصار. يضعون البسكويت والحلويات على القبور.
كان الحصار مفاجئا لنا وغير متوقع كما الحرب نفسها... مخزون المدينة من الوقود والطعام نفد بشكل سريع ليبدأ نظام البطاقة التموينية التي تسمح للمواطن بالحصول على 400 غرام من الخبز الأسود في اليوم، لتنخفض هذه الحصة شيئا فشيئا لتصل إلى 125 غراما فيما بعد.
حل الشتاء وكان قاسيا. وصلت درجة الحرارة إلى 35 درجة تحت الصفر. انقطعت الكهرباء بشكل نهائي عن المدينة، وتعطلت أنابيب الصرف الصحي وتحولت حياة الناس إلى كارثة حقيقية نتيجة فقدان جميع مقومات الحياة وأهمها الطعام.
في أكتوبر، بدأ معدل الوفيات في المدينة بالازدياد. خلال 25 يوما من ديسمبر، مات 40 ألف إنسان، أما في فبراير، فأصبح يموت من الجوع 3500 شخص كل يوم، ليتجاوز مجموع الذين قضوا تحت الحصار مليون انسان.
لم تعد في المدينة أخشاب لحرقها كوسيلة للتدفئة، وبدأ المواطنون بتكسير قطع الأثاث في البيوت وإشعالها لكي يدفئوا أجسادهم، بدأت الأوبئة بالانتشار في المدينة بفعل الأعداد الكبيرة من الجثث والعجز عن دفنها بسبب تجمد الأرض.
لكن الأشد هولا في كل ذلك يبقى الجوع والعطش. امرأة لديها طفلان عمر أحدهما 3 أعوام وأخت له عمرها 12 عاما، يموت الطفل جوعا، فلم تقم الأم بدفنه بل وضعته على شرفة النافذة في البرد... وكي تنقذ حياة ابنتها بدأت تقتطع من الجثة كل يوم قطعة صغيرة لإطعام طفلتها كي لا تموت جوعا. الطفلة لم تعرف ماذا كانت تأكل لكنها نجت وبقيت هذه القصة بالنسبة للطفلة في طي الكتمان إلى أن عرفت الحقيقة بعد سنوات كثيرة.
الأم أيضا نجت وكان لديها من القوة كي لا تفقد عقلها.
هذه إحدى قصص الحصار المؤلمة. وهناك الكثير من المآسي التي عاشها أبناء المدينة.
ينهي دانييل غرانين خطابه وسط تصفيق حار من الحاضرين على الشجاعة التي تحلى بها، لكن كل هذا لم يغير شيئا من حقيقة تبقى مغروسة في الذاكرة عن كل الذين قضوا في هذه الحرب البشعة، ولذلك تجد الروس يستقبلون عيد النصر كل عام كأهم أعيادهم الوطنية، حيث تمتزج فيه دموع الفرح والحزن.
لم يتسن لدانييل غرانين أن يشارك في الذكرى الخامسة والسبعين للنصر في الحرب الوطنية العظمى ولم تسعفه الأيام ليرى جبروت الجيش الروسي خلال العرض العسكري المهيب، الذي شهدته الساحة الحمراء، لكنه يستطيع أن يرقد بسلام، فلدى روسيا ما يكفي من الإرادة والقوة لكي تحفظ السلام وتدافع عن كرامة مواطنيها.

حسن نصر ـ موسكو

الحقيقة الغائبة عن الحرب وحصار لينينغراد

المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة أو الكاتب

تويتر RT Arabic للأخبار العاجلة
موافق

هذا الموقع يستخدم ملفات تعريف الارتباط .بامكانك قراءة شروط الاستخدام لتفعيل هذه الخاصية اضغط هنا

لحظة بلحظة.. تطورات الهجوم الإرهابي على مركز كروكوس التجاري بضواحي موسكو ومصير الجناة والضحايا