هكذا يدفع الفيروس والسعودية العالم نحو التضخم المفرط

أخبار الصحافة

هكذا يدفع الفيروس والسعودية العالم نحو التضخم المفرط
انسخ الرابطhttps://ar.rt.com/nm93

هل بدأ انهيار النظام المالي العالمي بالفعل، أم أن بإمكانه الاستمرار على هذه الحال بضع سنوات أخرى؟

التضخم، كما نعلم، هو ارتفاع الأسعار. أما التضخم المفرط، فهو ارتفاع سريع كارثي في الأسعار، حينما تتضاعف الأسعار، على سبيل المثال، كل 3 أشهر. يحدث ذلك حينما تعجز الحكومات في الحصول على دخل كاف لسداد نفقاتها (الإنفاق العسكري، المعاشات التقاعدية، رواتب موظفي الخدمة المدنية، خدمات الديون وغيرها)، فتصدر أوامرها للبنك المركزي في الدولة، بكل بساطة، أن يطبع المبالغ المطلوبة من العملة، دون غطاء، وتستخدمها في سداد نفقاتها.

فعلى سبيل المثال، ووفقا لقانون الاقتصاد، إذا كانت زيمبابوي تنتج 100 موزة في الشهر، ويحصل السكان على 100 دولار في الشهر، يحدث التوازن، وتكون الأسعار مستقرة، بينما تكلف كل موزة دولارا واحدا. وإذا انخفض الطلب على الموز (بسبب ارتفاع البطالة مثلا)، وكان الطلب على الموز هو 50 دولارا فقط، يحدث انكماش، ويصبح سعر الموزة الواحدة 0.5 دولار. أما إذا حدث العكس، وظل نفس المبلغ المتبقي من المال، 100 دولار، بينما انخفض إنتاج الموز بسبب الأزمة إلى 50 موزة، فسوف ترتفع الأسعار، ويصبح سعر الموزة الواحدة دولارين. وحينما يظل الإنتاج دون تغيير (100 موزة)، بينما تطبع الحكومة أموالا بلا غطاء، ويصبح لدى السكان 200 دولار ، يرتفع الطلب على الموز إلى حد 200، فترتفع الأسعار، ويصبح سعر الموزة الواحدة  دولارين.

يتعين على الحكومة بعد ذلك دعم السكان لزيادة الأسعار، فتطبع في الشهر التالي ليس 100 دولار، ولكن 200 دولار، وبعد شهر آخر 400 دولار وهكذا، حيث يزداد معدل طباعة الأموال، ويحدث التضخم المفرط، وترتفع الأسعار بمتوالية هندسية متسارعة.

إن العناصر الرئيسية للتضخم المفرط هي انخفاض عدد السلع المتوفرة في السوق، مقابل طباعة الأموال غير المغطاة من قبل البنك المركزي. هذا ما حدث في جمهورية فايمار في ألمانيا بعد الحرب العالمية الأولى، و ما حدث في روسيا عقب انهيار الاتحاد السوفيتي، و ما يحدث في زيمبابوي وفنزويلا.

حتى وقت قريب، كان الفرق بين ما سبق، وبين ما يحدث في الولايات المتحدة الأمريكية واليابان والاتحاد الأوروبي، على الرغم من سياسة "التسهيلات الكمية" QE(طباعة الأموال غير المغطاة من قبل البنوك المركزية الغربية)، هو أنه لم يكن هناك نقص في السلع الاستهلاكية في الأسواق المحلية لهذه البلدان. كانت الصين تملأ أوروبا وأمريكا بالسلع الرخيصة، عادة عن طريق الائتمان، بينما تستثمر في سندات الديون الأمريكية. على العكس من ذلك، خفّض المواطنون الأمريكيون والأوروبيون واليابانيون العاديون من معدلات استهلاكهم بعد أزمة 2008، التي استمرت منذ ذلك الحين، ولو بشكل مستتر كامن. انخفضت الأسعار، وطبعت البنوك المركزية النقود لمنع حدوث صدمة انكماشية وتراجع في الاقتصاد، كما حدث في الكساد الكبير عام 1929.

لكن كل التريليونات من الدولارات واليوروهات والين، التي تمت طباعتها طوال هذه الفترة، لم تكن تذهب إلى الأسواق الاستهلاكية، وإنما كانت السبب الرئيسي في نمو الأسهم من خلال إعادة شراء الأسهم Buy back، أي إعادة شراء الأسهم الخاصة من قبل الشركات الغربية، على القروض الممنوحة من البنوك المركزية الغربية بنسبة فائدة صفر في المائة.

في الوقت نفسه، لم يكن هناك نقص في السلع الاستهلاكية في الغرب، فقد تم إغلاق إمكانية التضخم في البورصة، ونمت سوق الأسهم الأمريكية من عام 2008، وحتى الذروة الأخيرة بمقدار ثلاثة أضعاف ونصف الضعف، في ظل غياب نفس نمو الأرباح. على العكس من ذلك، فإن الشركات الخاسرة باستمرار، مثل تسلا، أو شركات صناعة النفط الصخري الأمريكية، لم تفلس قط، بل على العكس، نمت أسهمها بسرعة، فجميع الشركات الأمريكية والأوروبية ذات قيمة مبالغ فيها، وأسهمها في البورصة أعلى بعدد من المرات من أسعارها الحقيقية.

بعد اندلاع أزمة فيروس كورونا، والحجر الصحي الذي أدى لوقف أكبر الاقتصادات في العالم، تشير تقديرات أكبر البنوك الأمريكية "غولدمان ساكس" Goldman Sachs، و"بي أو إيه" BoA، وغيرها إلى أن الانخفاض في الناتج المحلي الإجمالي في الولايات المتحدة الأمريكية في الربع الثاني من العام الحالي سوف يتراوح ما بين 30-38%. بل إن رئيس بنك الاحتياطي الفدرالي في سانت لويس، جيمس بولارد، يقدر هذا الانخفاض بنسبة 50%.

في الوقت نفسه، هناك عمليتان تتصارعان في الاقتصاد الغربي، فالعمال الذين تم تسريحهم يخفضون من استهلاكهم، ونقص الطلب يدفع الأسعار إلى الانخفاض، والاقتصاد إلى الانكماش. من جانب آخر يطبع الاحتياطي الفدرالي أموالا بشكل أسرع من أي وقت مضى، ويغمر جميع الأسواق بأموال غير مغطاة، بما في ذلك عجز الموازنة المتفجرة للحكومة الأمريكية. لقد قام الاحتياطي الفدرالي، نهاية مارس الماضي، بطبع مليون دولار في الثانية الواحدة. وتشير بعض التقديرات إلى أن مقدار الدولارات المتداولة في العالم سوف تبلغ ما بين 9 و12 تريليون، وهو ما يمثل من 2-3 أضعاف حجم الدولارات المتداولة مطلع العام الحالي، و11-15 ضعف ما كان عليه حجم الدولارات المتداولة قبل أزمة عام 2008.

علاوة على ذلك، تعتزم الحكومة توزيع جزء من هذه الأموال على المواطنين الأمريكيين العاديين، وللمرة الأولى، لن يتم حصر التسهيل الكمي QE داخل سوق الأسهم، بل سيقتحم سوق السلع الاستهلاكية. وهذا في ظل حقيقة أن عدد السلع سوق ينخفض حتما بسبب إغلاق المصانع وانهيار التجارة الدولية والسلاسل الصناعية.

ثم انضمت المملكة العربية السعودية إلى الفيروس، مخفضة أسعار النفط. وعلى الرغم من أن الانخفاض  كان منطقيا، لسبب رئيسي هو الحجر الصحي في جميع أنحاء العالم، وتوقف الصناعة والنقل وتقلص حاد في استهلاك الطاقة، إلا أنه لا ينبغي التقليل من دور السعودية في ذلك.

كيف يمكن لانخفاض أسعار النفط أن يؤدي إلى تسريع التضخم العالمي؟

من ناحية، تساعد الطاقة الرخيصة، بطبيعة الحال، الصناعة على المرور بالأزمة وتصب في مصلحة المستهلك. إلا أن المستفيد الرئيسي من النفط الرخيص هو الصين، التي تقوم مصانعها على إعادة الإنتاج، وتستعد بضائعها لغزو الدول الغربية التي تقف مصانعها. وسوف تجعل الأسعار الزهيدة للنفط الصناعة الصينية في المقدمة، دون أن تكون هناك أي فرصة للصناعة الغربية في منافستها. وإذا كانت الصين بالفعل على وشك الفوز في المنافسة التاريخية فإن تلك الأزمة قد رفعت من وتيرة هذه العملية بعشر مرات!

إن الحروب التجارية التي أطلقها الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، هي مرحلة طبيعية من الأزمة العالمية للإنتاج المفرط. وعندما ينخفض الطلب، تغلق البلدان أسواقها، حماية للمنتجين المحليين. والآن تقف الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا والغرب كافة أمام خيار السماح للصين بتدمير صناعاتها المحلية، أو إغلاق أسواقها بالكامل، مع الحفاظ على الأسعار في مستويات مرتفعة، وحتى خلق نقص في السلع، وهو الطريق الحتمي نحو التضخم المفرط. ومن المفارقات أن النفط الرخيص لن يساعد الصناعة الغربية على البقاء، بل سيسرع من عملية استبدالها بالصناعة الصينية. فالنفط الرخيص سوف يرفع من وتيرة الحرب التجارية، ويعجل من عملية تغيير قيادة العالم.

وسوف يكون النموذج الذي يحاول فيه دونالد ترامب الضغط على روسيا والمملكة العربية السعودية، واعدا بإغلاق السوق الأمريكية لنفطهما، هو نموذج سيتم تعميمه على جميع السلع الأخرى.

في هذه المرحلة، بينما يعيش العالم في حالة انهيار الطلب بسبب الحجر الصحي، وتوقف أكبر الاقتصادات في العالم، أصبح النفط أرخص. ما وراء تلك المرحلة هي مرحلة انهيار العرض، ثم انهيار الإنتاج العالمي، الذي بدأ فعليا في الانهيار. ثم تصل تريليونات الدولارات واليوروهات أخيرا إلى أسواق الاستهلاك، وهنا يبدأ التضخم المفرط في العملات العالمية الرئيسية، في جميع أنحاء العالم تقريبا. لكن تقدير الفترة الزمنية التي سوف تستغرقها هذه المراحل أمر لا يزال عصيا.

المحلل السياسي/ ألكسندر نازاورف

المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة أو الكاتب

تويتر RT Arabic للأخبار العاجلة
موافق

هذا الموقع يستخدم ملفات تعريف الارتباط .بامكانك قراءة شروط الاستخدام لتفعيل هذه الخاصية اضغط هنا