مطالبات في مصر لتعديل قوانين مكافحة الفساد
مواكبة للحملات المتلاحقة، التي تشنها هيئة الرقابة الإدارية في مصر لمحاربة الفساد، تصاعدت المطالبات بتعديل قوانين مكافحته، بما يوسع من دائرة الملاحقات.
عقدت لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب المصري اجتماعا عاجلا في مقر البرلمان، دعت فيه إلى دراسة إصدار تشريع، يمنح الأجهزة الرقابية ومباحث الأموال العامة حق الاطلاع على جميع الرسائل والمستندات المتعلقة بقضايا الفساد، ووضع عقوبة تُحمِّل المدير المسؤول عن كل موقع إداري مسؤولية الإهمال في متابعة مرؤوسيه، في حال ارتكابهم جريمة الرشوة أو القيام بالتستر عليهم وعدم الإبلاغ عنهم.
ودعت اللجنة وسائل الإعلام لتبني حملة إعلامية، تدعو المواطنين إلى التعاون مع الأجهزة الرقابية لضبط قضايا الفساد، وعدم الانصياع لطالبي الرشوة من الموظفين العموميين، والإعلان عن قضايا الفساد، وتداول المعلومات، بما يحقق الشفافية والردع العام.
وطالب النواب من أعضاء لجنة الدفاع والأمن القومي، لجنة الإصلاح الدستوري، المشكَّلة من قبل وزارة العدل، بتقديم أهم المقترحات التي توصلت إليها، إضافة إلى توضيح ما تم إنجازه خلال السنوات الثلاث الأخيرة للاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، انطلاقا من أن مواجهة الفساد في مصر هي مسؤولية المجتمع بجميع أفراده؛ مطالبين أجهزة الدولة كافة بالتركيز على اتخاذ كل الإجراءات الاستباقية لمحاربة الفساد. كما طالبوا بمتابعة المرشحين لتولي مناصب قيادية في الدولة، للوقوف على سلوكهم الوظيفي، لكيلا يتقلد منحرف أو مشتبه فيه المناصب، ويتمكن من استغلال وظيفته في الثراء غير المشروع. وكذلك أهمية سرعة حسم قضايا الفساد المتداولة في المحاكم، مع تشديد العقوبات بما يتناسب مع الجرم، وبما يتفق مع الدستور تحقيقا للردع العام، وضرورة إلزام الوزارات بتقديم تصور عن تنقية اللوائح والقرارات المنظمة للجهات التابعة لها لإزالة التعقيدات الروتينية، التي تعطل تأدية الخدمة من جانب الموظفين المنحرفين للحصول على الرشوة.
وقد لوحظ في أعقاب توالي الكشف عن العديد من قضايا الفساد، تزايد الجدل حول استفادة المتهمين في قضايا الفساد من نص القانون بإعفائهم من العقاب، وتحويلهم إلى مجرد شهود في قضايا هزت الرأي العام المصري، وما إذا كان قد آن الأوان لتغيير هذا القانون، خاصة أن تقدم الوسائل الفنية والتقنية الحديثة أسهمت كثيرا في ضبط المتهمين بالرشوة متلبسين بالصوت والصورة.
وفي هذا الصدد، يرى البعض ضرورة إلغاء النص الوارد بالإعفاء من العقاب، وهو ما يرفضه آخرون، ممن يرون أن هذا النص يسهل كثيرا على أجهزة مكافحة الفساد أداء دورها. ويسوق هؤلاء العديد من التبريرات فيما ذهبوا إليه؛ حيث يؤكدون أن المطالبة بإعادة النظر في المادة 107 مكرر من قانون العقوبات، والتي قررت الإعفاء لمقدمي الرشوة، وضعها المشرع انطلاقا من أن جريمة الرشوة تتصف غالبا بالسرية، ويحاط ارتكابها بالكتمان، ويجتهد مرتكبوها في إخفاء أمرها، ويندر أن تترك آثارا تدل عليها، ولذا كان جهد السلطات العامة في كشفها وإقامة الدليل عليها أمرا عسيرا. كما أن الراشي أو الوسيط باعترافه بالمشاركة في ارتكاب الجريمة، يؤدي خدمة للمصلحة العامة بالكشف عن الجريمة بعد وقوعها، وتسهيل إثبات الجريمة على مرتكبها، ولذا فإنه يستحق أن يكافأ عليها بالإعفاء من العقاب، شريطة أن يكون الاعتراف صادقا ومطابقا للحقيقة والواقع، ومفصلا يدل على نية المعترف في مساعدة العدالة. كذلك، فإن إلغاء هذا الإعفاء أو تقييده سوف يؤدي إلى إفلات العديد من المرتشين من العقاب، وهو ما سيضر بالمصلحة العامة. كما أن الإبقاء على المادة 107 مكرر من قانون العقوبات ضرورة للكشف عن الموظف المرتشي الذي كانت السلطات غافلة عما يفعل، أو كانت تفتقد إلى الدليل اليقيني على ارتكابه جريمة الرشوة، وليس من سبيل إلى إثبات التهمة إلا بمعاونة شركائه في الجريمة.
أما إذا كان لدى السلطات، بحكم التقنيات الحديثة من أجهزة التسجيل الصوتي والمرئي والمتابعة، أو شهود عدول أو أدلة دامغة على جريمة الرشوة، فيري البعض أن تقدير ما إذا كان الراشي أو الوسيط يستحق العفو في حال اعترافه، يكون جوازيا لمحكمة الجنايات التي تحاكمه، وتقدره المحكمة وحسب كل حالة منفردة؛ حيث يقتصر الإعفاء في كل الأحوال فقط على عقوبة السجن، دون باقي العقوبات التبعية، سواء كانت عقوبات مالية، أو عقوبات تتعلق بحرمان المحكوم عليه من حقوقه السياسية والمدنية وتولي الوظائف العامة والاشتغال بالتجارة وحيازة الأسلحة، وغيرها من العقوبات المقررة لمن يدان في جناية عقوبتها السجن.
هذا، وتأتي عملية تصاعد هذه الحملات في مصر ترجمة للاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، والمحدد لها الفترة من 2014 إلى 2018، والتي تقوم على رؤية للارتقاء بمستوى الأداء الإداري والحفاظ على المال العام، وللتأكيد على أن النزاهة والشفافية والمساءلة، تعد أولوية للدولة في جميع المجالات؛ حيث ترمي الاستراتيجية إلى وضع خطة واقعية، تعتمد على الإمكانات والطاقات المتاحة، بهدف الحد من مظاهر الفساد في المجتمع، وتقويم سلوك الأفراد للارتقاء بالأداء، وتحقيق التنمية المستدامة والرفاهية للمواطنين.
لقد بات واضحا أن قضايا الفساد الأخيرة، التي ضبطتها هيئة الرقابة الإدارية وتم الإعلان عنها، جاءت صادمة للرأي العام المصري، وكاشفة في الوقت نفسه عن فداحة تلك الجرائم، التي تغلغلت في معظم مفاصل الدولة. غير أن هيئة الرقابة الإدارية تلتزم في حملاتها لمكافحة الفساد بتوجيهات الرئيس السيسي، التي أعلن عنها في تصريحات أطلقها قبيل بضعة أسابيع خلال حواره مع رؤساء تحرير الصحف المصرية؛ حين أكد أنه لا يميل إلى اتخاذ إجراءات استثنائية، وأنه عبر القانون وبأدواته سوف تتخذ إجراءات رادعة لمكافحة الفساد.
محمود بكري