أنيس عامري.. "ذئب منفرد" تطرف في سجون إيطاليا
تحولت الاحتفالات بأعياد الميلاد في برلين، ذات التحصين الأمني الشديد، إلى كابوس يثير علامات استفهام حول إجراءات مواجهة هجمات الذئاب "المنفردة" في ألمانيا، وأوروبا بشكل عام.
بيد أن الاعتداء الجديد الذي ضرب قلب أوروبا بتوقيت استثنائي يشهد استنفارا أمنيا بأيام أعياد الميلاد، كان محاكاة حقيقية لاعتداء نيس الذي وقع في الـ 14 من يوليو/تموز الماضي موديا بحياة 84 شخصا، حيث استخدمت "شاحنة الموت" لدهس المدنيين بطريقة مفاجئة.
ولئن اختلفت المدن والأزمنة، إلا أن القاسم المشترك في كلتا العمليتين هو الجنسية التونسية لكلا المنفذين، فأنيس عامري تحول من لاجئ بألمانيا إلى أكثر الأشخاص المطلوبين في أوروبا، حيث عرضت ألمانيا 100 ألف يورو، لمن يدلي بمعلومات تقود لاعتقاله، وانتهى الأمر بمقتله في إيطاليا.
من قارب الموت إلى شاحنة الموت
رغم صغر سنه، إلا أن حياة عامري كانت محفوفة بالمشاكل، حسبما أكده شقيقه وليد في حديث خاص مع RT، ذاكرا أن شقيقه الأصغر سافر إلى إيطاليا ضمن قوافل الهجرة السرية في مارس/آذار 2011 بعد أن صدر بحقه حكم بالسجن في تونس على خلفية سرقة سيارة.
ويقول وليد العامري إن أنيس كان أصغر أشقائه الـ9 لعائلة فقيرة بمنطقة الوسلاتية الواقعة جنوب القيروان، مؤكدا أنه لم يعرف عن أنيس أي انتماء فكري أو سياسي، وأن العائلة كانت تتواصل معه باستمرار.
وعن رحلته إلى إيطاليا، أوضح وليد أن شقيقه أنيس وصل إلى شواطئ إيطاليا ضمن آلاف المهاجرين التونسيين عبر القوارب، والذين عبروا البحر المتوسط في أعقاب الثورة التونسية وقضى عدة أشهر في مركز للشباب المهاجرين، بالقرب من مدينة كاتانيا بجزيرة صقلية.
وبعد إقامته في إيطاليا، اعتقل العامري للاشتباه بتورطه في عمليات حرق متعمدة وحكم عليه لاحقا بالسجن 4 سنوات.
وردا عن سؤال ما إذا كان أنيس قد تعرض إلى الاستقطاب داخل السجن، لم يستبعد شقيقه وليد هذه الفكرة، مرجحا أن يكون التغيير في شخصية وفكر أنيس قد تم في السجن، علما أنه لم يكن يحمل أي أفكار دينية أو سياسية، بل لم يكن ملتزما بأداء الواجبات الدينية، لكنه بعد أن قضى عقوبة السجن أصبح يواظب على أداء فريضة الصلاة.
صدمة العائلة
ويتابع وليد عامري حديثه بأن جميع أفراد العائلة في حالة ذهول وصدمة من ما اقترفه شقيقه أنيس، مشيرا إلى أن العائلة لم تعر أي اهتمام لحادث الاعتداء ببرلين في بادئ الأمر، فلم يخطر ببالهم ولو للحظة أن شقيقهم أنيس هو مرتكب هذه العملية التي أودت بحياة 12 شخصا.
ويذكر وليد أن أنيس اتصل بوالدته قبل يومين من وقوع الحادثة، وكان يطمئن عن أحوال أسرته ويمازحهم بعفوية معتادة، لتنقلب حياة هذه العائلة رأسا على عقب بعد استدعاء الأمن التونسي لوالدته لإجراء تحقيق معها بشأن ابنها أنيس، وذلك بعد إعلان هوية مرتكب عملية برلين.
واشتدت وطأة الصدمة عائلة العامري مع خبر مقتله برصاص الشرطة الإيطالية حيث شكك شقيقه في وفاته لأن السلطات التونسية لم تؤكد لهم استلام جثته، مشيرا إلى أن الصور التي تم تداولها إعلاميا حول مقتل أنيس لا تظهر وجهه مطلقا، في حين أن عمليات مشابهة أظهرت جثث القتلى بشكل واضح، على حد قوله.
التطرف أوروبيا
أيمن الجبالي، 28 عاما، هو أحد رفاق أنيس العامري في رحلة الهجرة السرية إلى شواطئ إيطاليا، قال لـRT إن أنيس كان شابا عاديا ولم يعرف عنه بوادر التشدد مطلقا، لكنه أخبره مؤخرا بأنه اهتدى للصلاة وغير سلوكه القديم.
بدوره، لم يستبعد أيمن الذي لم يخف استغرابه وحيرته من مصير رفيقه، أن عملية استقطابه قد تمت بسجون إيطاليا، مرجحا أن يكون أحد السجناء هناك قد نجح في التأثير عليه خاصة وأنه لم يتجاوز 18 عاما في ذلك الوقت، وقد انقطع عن الدراسة منذ مدة.
ويؤكد أيمن أنه كان يحثه على العودة إلى تونس لكن رفيقه كان يرفض ذلك، مبررا قوله ببحثه عن فرصة حقيقة في مدن أوروبا لكسب المال، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن أخباره انقطعت تماما عنه منذ شهر تقريبا.
طريق الانحراف
وحسب تقارير ألمانية، فإن الشاب التونسي دخل ألمانيا عبر مدينة فرايبورغ جنوب غرب البلاد، القريبة من الحدود السويسرية والفرنسية، وسجل نفسه كلاجئ، مستخدما عدد من الأسماء والجنسيات المختلفة، لينتقل لاحقا إلى برلين في فبراير/شباط 2016، وكان وجوده معلوما لدى السلطات بسبب نشاطه كتاجر للمخدرات في متنزه "غويرليتزر" في برلين وتورطه في عراك بأحد الحانات.
وأصبح العامري محور تحقيق بشأن الإرهاب، ويقول ممثلو ادعاء ألمان إنه كان يخطط لتنفيذ عملية سطو مسلح للحصول على مال كاف لشراء أسلحة آلية. وحرمت السلطات الألمانية العامري من الحصول على طلب للجوء.
ويقول مسؤولون إنه لم يتسن ترحيله، خلال ذلك الوقت، بسبب خلاف دبلوماسي مع تونس، وهو ما دفع السلطات الألمانية باتهام تونس بالتقصير في ترحيل أنيس العامري في وقت سابق من هجوم برلين.
تونس في دائرة الاتهام
وردا على اتهامات برلين بتقصير السلطات التونسية في ترحيل عامري، أوضح مصدر في الخارجية لـRT أن تونس تلقت في البداية طلبا للتحري في هوية أخرى عبر البعثة القنصلية بألمانيا، وتبين أنها هوية شخص غير تونسي.
وفي مرحلة أخرى، وبعد تحري السلطات الألمانية وتأكدها من هوية المشتبه به، أطلعت ألمانيا السلطات التونسية من لوحة بصمات تعود لأنيس يوم 17 ديسمبر/كانون الأول، فتم توفير المعلومات اللازمة حوله ومدها للسلطات الألمانية.
وأكد المصدر أنه بعد التأكد من جنسية الشخص المطلوب وهو ما تم يوم الإثنين 19 ديسمبر/كانون الأول 2016، كانت السلطات التونسية تعتزم ترحيله في اليوم نفسه الذي نفذ فيه العملية، على حد تعبيره.
حرب الاستخبارات
ومع وقوع اعتداء برلين تبناه "داعش" عاد الحديث عن تمدد التنظيم في قلب أوروبا عبر ذئابه المنفردة بينما تقلص جغرافيا على أرض معاقله، وعلق الخبير الأمني التونسي علية العلاني عن هذه المسألة في مداخلة لـRT، معتبرا أن ظاهرة الذئاب المنفردة أصبحت ظاهرة خطيرة لأن" داعش" استغنى عن استراتيجية المواجهة المباشرة، وأصبح التنظيم يعول على خلاياه النائمة لفقدانه الأرض وأدواته القديمة وهو أسلوب يعبر عن مدى تدهور التنظيم على مستوى اللوجيستي.
وأكد الخبير الأمني أن الهجمات القادمة لـ"داعش" ستستخدم هذا الأسلوب ليثبت أنه مايزال رقما صعبا وهاما على أرض المعركة، وهو ما سيشكل إزعاجا حقيقيا في ظل غياب خطة لمعالجة خطر "الذئاب المنفردة".
وفي اعتقاده، فإن الحرب المقبلة ضد "داعش" هي حرب استخباراتية لمعرفة الخلايا النائمة والمنسقين بينهم وهو ما ظهر في حادثة برلين، فالخلل الاستخباراتي كان واضحا، علما أن معلومات سابقة أفادت بتحول أنيس عامري إلى شخص راديكالي أثناء قبوعه بسجن إيطاليا.
والتهاون في جدية التعامل مع هذه المعلومة الاستخبارتية سهل الاختراق إلى حصن برلين وارتكاب مجزرة جديدة في قلب أوروبا، على قوله.
من نيس إلى برلين كان الموت واحدا عبر دهس المدنيين، ورغم الإجراءات الأمنية المشددة في أعقاب هجمات ضربت عمق أوروبا إلا أن التقصير الأمني يثير الجدل على طاولة القادة الأوروبيين في مواجهة جديدة مع "الذئاب المنفردة".
سناء محيمدي