معركة الرطبة و"طريق الحرير"
هاجم "داعش" الرطبة، التي حررت منه في مايو/أيار الماضي، في الوقت الذي لا تزال فيه أقضية راوة وعنة والقائم وصحراء الأنبار بيد التنظيم الإرهابي.
وفي الوقت الذي انشغل فيه البرلمان بحظر استيراد الخمور (حفاظا على صحة الموطنين!)، كان "داعش" يهاجم كركوك ثم الرطبة ليقتل ويفجّر ويهجّر المواطنين.
فقد شن "داعش" هجومه الثاني على الرطبة يوم الأحد (23/10/2016)، بعد هجومه على كركوك الجمعة (21/10/2016) من عدة محاور.
وأفاد قائمقام قضاء الرطبة عماد الدليمي بأن "داعش" هاجم القضاء من ثلاثة محاور، وأن أبناء العشائر اشتبكت مع التنظيم الإرهابي داخل المدينة.
كما صرح مصدر عسكري عراقي بأن ما لا يقل عن 12 جنديا قتلوا في الهجوم، الذي شنه داعش صباح الأحد على الرطبة. وقال المصدر إن "داعش اقتحم جميع محاور القضاء واقترب من مباني قائمقامية القضاء ومراكزه الحكومية".
لكن مصادر متطابقة قالت إنه و"مع محاصرة "داعش" للرطبة حصلت خلافات بين القطعات العسكرية تسببت في انسحاب وحدات من الشرطة والجيش و"الحشد الشعبي" إلى خارجها مع أسلحتهم وعتادهم".
المصادر نفسها أكدت أن «المدينة تعرضت لهجوم من قبل "داعش" بعد ساعات من انسحاب القوات، تلاه هجوم خارجي مع تحرك لخلايا نائمة شبيه بما حصل في كركوك، فهناك جهات وراء تسلل العناصر بغية تسليم المدينة إلى "داعش" من جديد".
وأضافت المصادر أن «عشائر البوعيسى استلمت زمام الأمور واستعادت مركز شرطة الرطبة من سيطرة "داعش"، وأن مسلحي العشيرة المنتشرين في المدينة ألقوا القبض على ثلاثة عناصر من "داعش" من الخلايا النائمة التي تحركت في المدينة".
وفي الوقت الذي طالب فيه قائمقام الرطبة بتعزيزات عسكرية، طالب الشيخ غسان العيثاوي، أحد شيوخ عشائر الأنبار، طيران التحالف الدولي بدعم المناطق الحدودية المكشوفة من جميع المحاور؛ مستغربا وصول سيارات الدواعش وتجولها في الصحراء المكشوفةمن دون أن يتم استهدافها من قبل التحالف الدولي.
وكان رئيس حكومة الأنبار المحلية صباح كرحوت قد حذر السبت قبل هجوم "داعش" الأحد على الرطبة من "وجود مخطط لتنفيذ هجمات إرهابية بالمحافظة شبيه بالسيناريو الذي شهدته محافظة كركوك".
وتتحدث الأنباء صباح اليوم (26/10/2016) عن أن مئات العوائل من أطفال ونساء وكبار سن قد نزحت عن الرطبة بعد هجوم "داعش"، وقد وصلت إلى محطة الـ 160 وهي في العراء من دون مأوى أو طعام. وقد منعتهم القطعات العسكرية من الخروج من المحطة.
والسؤال الآن ما هي اهداف التنظيم من هجوم الرطبة تحديدا؟ ولماذا كلما اقترب أمر فتح منفذ طريبيل لتجتمع اللجنة المشتركة الأردنية-العراقية، تحصل حوادث جسام ليبقى المنفذ مغلقا لمصلحة منافذ أخرى مفتوحة؟
إذ هناك من يتحدث عن أمور اخرى تتمثل في طريق تجاري يسميه الناس "طريق الحرير" تهكما. والطريق التجاري هذا يقوم عليه أمراء حروب متغلغلون في الجيش والشرطة و"الحشد الشعبي" وترتزق منه بسبب الفساد رؤوس كبار.
وفتح منفذ طريبيل قد يتسبب في غلق "طريق الحرير" التجاري القادم من سوريا مرورا بالقائم ثم الرطبة ثم الرحالية ثم بغداد وبالعكس. ومن هنا، فإن المحافظة على طريق "الحرير" الصحراوي قد يقف خلف هجوم "داعش" على الرطبة. إذ إنه يستفيد من وقود ودواء تحصل عليه مقابل أغنام وأبقار ودجاج، كما يقول شهود عيان.
وقد يؤكد ذلك أن الرطبة تعرضت منذ تحريرها في مايو/أيار الماضي لعدة هجمات. وقد يؤكده أيضا بقاء القائم وصحراء الأنبار تحت قبضة تنظيم "داعش" ومن قبله "القاعدة".
وإن صح ذلك، فكيف يحرر المدن من "داعش" من يتاجر معها؟ وأين التحالف الدولي المتحكم بالأجواء من هذا "الطريق الحريري"؟ أم إن للتحالف الدولي أهداف أخرى؟ وما قيمة خروج "داعش" من الرطبة التي قد تعود إليها من جديد؟
أم إن في هجوم الرطبة أسرار أخرى؟ أليست هي نفس أهداف هجوم كركوك من قتل ونزوح واعطاء جرعة للدواعش في الموصل وحولها وفتح لملفات سياسية لم تجد حلا تشبه ملف كركوك؟
فالرطبة تعني النخيب وناحية النخيب إداريا تابعة للرطبة والرطبة وباديتها للأنبار منذ العهد الملكي إلى اليوم. لكن دخول "الحشد الشعبي" إلى النخيب بعد سقوط الرمادي بيد "داعش" في 2015 تسبب في صراع سياسي على عائدية الناحية.
إذ ادعت أطراف رسمية في محافظة كربلاء عائدية النخيب وبادية الأنبار ومنفذ عرعر مع السعودية تابعة لقضاء عين التمر أحد اقضية كربلاء.
وقد ثارت ثائرة مجلس محافظة الأنبار وشيوخها وأعربوا عن رفضهم لدخول "الحشد الشعبي" إليها ولقرار عائديتها إلى عمليات الفرات الأوسط التابعة لمحافظة كربلاء. وأعلنوا أن أي شبر من محافظة الأنبار هو خط أحمر. فأصدر رئيس الوزراء حيدر العبادي قرارا بإعادة الملف الأمني في الناحية لقيادة عمليات الجزيرة والبادية التابعة إلى الأنبار.
وتزداد أهمية الرطبة والنخيب ليس بمنفذ طريبيل مع الأردن فحسب، بل بمنفذ عرعر مع السعودية. وعرعر والنخيب على طريق الحج البري واستراحة الحجيج علاوة على مخزون نفطي هائل يفوق 200 مليار كما هي كركوك.
وعليه، فان هجوم الرطبة قد يفتح ملفا مشابها لملف كركوك لكن بين الأنبار وكربلاء هذه المرة. وإن كان هجوم كركوك قد يرسم خريطة جديدة لمحافظات الموصل صلاح الدين وديالى، فهل يرسم هجوم الرطبة الغافية في بطن الصحراء على بعد 300 كم غرب الرمادي و200 كم جنوب كربلاء خريطة أخرى؟
عمر عبد الستار