الحشد الأمريكي - الأوروبي في سوريا مع من وضد من!!!
انتهى لقاء لوزان في سويسرا، في 15 أكتوبر/ تشرين الأول الحالي، إلى صيغة "تم الاتفاق على استمرار الاتصالات" من دون التوصل إلى أي نتائج بشأن أجندة اللقاء.
وزراء خارجية روسيا والولايات المتحدة وإيران والسعودية والعراق وتركيا ومصر وقطر والأردن والمبعوث الخاص إلى سوريا ستيفان دي مستورا، لم يختلفوا، في هذا اللقاء، على الحفاظ على سوريا دولة علمانية موحدة، ولكن لا نتائج حول فصل المعارضة عن الإرهابيين، ولا حلول بشأن إدخال المساعدات الإنسانية إلى حلب، ولا إرساء الهدنة أو استمرار العملية السياسية بدون شروط مسبقة.
هذا اللقاء تحديدا سبقته حملة إعلامية غربية روجت لتهديدات شديدة الوطأة بشأن إمكانية فرض عقوبات ضد كل من موسكو ودمشق. وبالتالي، كان اللقاء التالي في 16 أكتوبر/ تشرين الأول، في لندن، والذي ضم 9 دول إضافة إلى الاتحاد الأوروبي (الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا والسعودية وإيطاليا والأردن والإمارات وتركيا) يعكس توجهات الولايات المتحدة وحلفائها، حتى وإن كانت هناك خلافات أو تباينات في المواقف بين واشنطن وأنقرة، أو واشنطن وبرلين، أو واشنطن والرياض. والمثير للتساؤلات أن وزير الخارجية القطري لم يشارك في هذا اللقاء، كما كانت وسائل الإعلام قد أعلنت في السابق.
لقاء "الحشد" القاني في لندن، انعقد أيضا على خلفية نفس الحملة الإعلامية – السياسية التي أطلقها الساسة الغربيون بشأن إمكانية فرض عقوبات ضد موسكو ودمشق. ولكن الأولى ظلت مصممة على ضرورة فصل المعارضة عن الإرهابيين، ومواصلة التسوية السياسية بدون شروط مسبقة، وتثبيت آليات محددة لإدخال المساعدات الإنسانية إلى السكان المحاصرين في حلب. أما الولايات المتحدة وحلفاؤها، فقد فضلوا المضي قدما نحو التصعيد والحشد والتهديد بالعقوبات. ومن أجل ذر الرماد في العيون، والتغطية على مواقفهم بشأن حلب، بدأوا عمليات مواجهة داعش في الموصل بشكل استعراضي يذكرنا بعمليات القوات الأمريكية (في عاصفة الصحراء وغزو العراق)، عندما كانت العمليات الحربية تجري أمام الكاميرات وعلى الهواء مباشرة، بل وحتى تم إعلان ساعة الصفر والمواعيد الدقيقة لبدء العمليات وتفاصيلها!
لا شك أن ما يجري الآن في العراق بين القوات الأمريكية وحلفائها وبين عصابات داعش الإرهابية يسعى لإعطاء انطباع للرأي العام بأن واشنطن وتحالفها قادران على مواجهة داعش، وأن تحرير الموصل، ثم العراق بالكامل، قاب قوسين أو أدنى. ولكن هل كان العراق يجب أن ينتظر كل هذه السنوات لتحرير مدينة أو مدينتين من الدواعش؟ وهل فعلا، يجب أن ينهي أوباما فترة رئاسته الثانية والأخيرة بتحرير مدينة أو اثنتين من داعش؟ وماذا عما يتردد منذ أيام حول هروب مجموعات إرهابية داعشية من العراق إلى سوريا أمام تجاهل كل العيون والرادارات والأقمار الصناعية وعناصر الاستخبارات التي تملأ العراق من كل حدب وصوب؟ وكيف سيتم استخدام وتوجيه عناصر داعش التي وصلت إلى سوريا؟
هذه التساؤلات قد تلقى بعض الردود والإجابات خلال الأيام القليلة المقبلة، خاصة وإذا أعلنت واشنطن وحلفاؤها عن تحرير الموصل، وبدء أزمات جديدة مع تركيا بالذات التي تريد المشاركة في كل التحركات والمعارك من أجل إثبات حقها السياسي والعسكري والتاريخي فيما بعد، سواء في سوريا أو العراق.
الآن، تجري مناورة أوروبية أخرى لمواصلة طريق الضغط والابتزاز. ففي الوقت الذي أكدت فيه المفوضة العليا للسياسة الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني أنه لم تقترح أي دولة في الاتحاد الأوروبي فرض عقوبات ضد روسيا بسبب سوريا، أعلن وزير الخارجية الفرنسي جان مارك إيرولت أن وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي يبحثون اليوم الاثنين 17 أكتوبر/ تشرين الأول لوكسمبورغ، جميع خيارات زيادة الضغط على سوريا وروسيا بهدف تغيير الوضع في حلب.
هذه التصريحات المتناقضة، قد لا تعكس خلافات جذرية أو مبدئية في المواقف الأوروبية – الأوروبية، والأوروبية - الأمريكية بشأن سوريا، وكيفية التعامل مع روسيا، بقدر ما تعكس توزيع الأدوار وتبادلها. فوزير الخارجية الأمريكي جون كيري ونظيره البريطاني بوريس جونسون أعلنا أن واشنطن ولندن تدرسان فرض عقوبات اقتصادية جديدة على دمشق وموسكو بسبب حلب. بل وأكد كيري أن "الرئيس أوباما لم يستبعد النظر في أي احتمالات في هذه المرحلة". وفي سياق المراوغات الكلامية من أجل غسل اليد والضمير من "الجرائم المقبلة"، قال كيري إن "واجبه ونظيره البريطاني استنفاد جميع الخيارات الدبلوماسية"، وأنهم يناقشون كل آلية متوفرة، ولم يلحظوا رغبة كبيرة لدى أي أحد في أوروبا لخوض حرب.
إذا، فما معنى التهديدات المتواصلة بعمليات عسكرية، أو بفرض عقوبات، أو ممارسة ضغوط؟
وما معنى أن يقول جونسون "يوجد الكثير من الطرق التي نقترحها وبينها فرض إجراءات إضافية على الحكومة السورية وداعميها"؟ وماذا يعني أيضا الرئيس الفرنسي هولاند عندما يقول "فلاديمير بوتين لا يريد أن يبحث موضوع سوريا بجدية.. أنا مستعد في أي وقت.. لكن لن أخفف الضغط"؟
وفي نهاية المطاف، يطرح الاتحاد الأوروبي صياغته للقاء لوكسمبورغ كالآتي:
- بحث إيصال المساعدات الإنسانية واستئناف المفاوضات بشأن انتقال السلطة في سوريا.
- مناقشة كيفية دفع المفاوضات لوقف الأعمال العدائية بالتوازي مع تحقيق اتفاق بشأن انتقال السلطة في البلاد.
- ضرورة الحفاظ على ما يسمى بـ "الفضاء السياسي"، بعدم عرقلة محاولات التوصل إلى تسوية سياسية.
بعد هذه البنود الثلاثة، من الصعب أن نتصور أن يخرج لقاء لوكسمبورغ بأي نتائج مثيرة للتفاؤل. ولكنه من جهة أخرى سيعتبر خطوة مهمة على طريق لقائي لوزان ولندن، من حيث التصعيد في سوريا وحولها.
أشرف الصباغ