ليبيا.. من ملجأ للإرهابيين والقوات الخاصة الغربية إلى معسكر اعتقال

أخبار العالم العربي

ليبيا.. من ملجأ للإرهابيين والقوات الخاصة الغربية إلى معسكر اعتقال
المبعوث الأممي مارتن كوبلر
انسخ الرابطhttps://ar.rt.com/i2d8

فجأة برز الملف الليبي بشكل لافت على خلفية تحركات واسعة شملت عدة محاور، من بينها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وباريس، وقمة دول أوروبا والبلقان.

المحاور الأساسية تتوزع كالآتي:

- كلمة المبعوث الأممي مارتن كوبلر أمام مجلس حقوق الإنسان والحديث عن المأزق السياسي والعسكري، وطرح خطط جديدة بشأن ليبيا.

- قمة دول أوروبا والبلقان التي انعقدت في فيينا بشأن أزمة اللاجئين، وإمكانية تحويل ليبيا إلى معسكر للاجئين.

- لقاء الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند مع رئيس الوزراء الليبي فايز السراج في باريس والحديث عن تسوية الأزمة الليبية ودمج قوات حفتر ضمن قوات ليبية عامة.

- التصريحات الروسية المهمة التي كشفت بعض الأوراق التي يحاول الغرب إخفاءها في ليبيا.

يبدو أن الفشل المتواصل الذي يعانيه المبعوث الأممي مارتن كوبلر في مهمته في ليبيا، دفع العديد من الأطراف الغربية إلى دعمه بطريقة غير مباشرة، باعتباره "الحارس الأمين" للمشروع الغربي في ليبيا، والقائم على تنفيذه بشتى الطرق. لقد توجه كوبلر إلى مجلس حقوق الإنسان ليشكو المشير حفتر من جهة، ويحاول تهميشه من جهة أخرى، ويعطي صورة مضببة عن ليبيا من أجل التمهيد لأدوار جديدة من جهة ثالثة.

كوبلر أعرب عن أسفه لما يجري في ليبيا بقوله: "نشاهد اليوم مأزقا سياسيا في ليبيا.. حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا والتي استقرت في العاصمة الليبية طرابلس، أواخر مارس/آذار الماضي، لم تحظ بالاعتراف من قبل برلمان طبرق الذي يدعم سلطة موازية في البلاد". ثم ذهب إلى أنه "في الوقت نفسه، تواجه ليبيا تطورات عسكرية خطيرة، بما فيها بسط القوات التابعة للمشير خليفة حفتر سيطرتها على منطقة الهلال النفطي ذات الأهمية الحيوية بالنسبة للاقتصاد الليبي".

وأمعن كوبلر في التعبير عن "قلقه وخوفه" على الاقتصاد الليبي، مشيرا إلى أن "أعمال العنف تؤثر بشكل سلبي على الاقتصاد الوطني، حيث تخصص الحكومة 93% من إجمالي ميزانيتها لدفع المعاشات والرواتب، بما فيها تلك التي تتقاضاها عناصر المجموعات المسلحة.. وأن المجموعات المسلحة في أنحاء البلاد تستمر بارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان مع الإفلات التام من العقاب".

في الحقيقة، لا أحد يعرف عن أي "مجموعات مسلحة" يتحدث كوبلر. هل يتحدث عن التنظيمات الإرهابية (داعش والقاعدة)، أم عن جماعات متطرفة تتخفى تحت مسميات مختلفة وتحظى بدعم دول غربية، أم عن الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، أم عنها جميعا؟ وفي الحقيقة فالحديث عنها جميعا يعتبر استسهالا وخلطا للأوراق. هذا مع العلم بأنه من الصعب أن نتصور أن كوبلر يقصد أصدقاء الغرب وحلفائه من الجماعات الدينية المسلحة، والتي يرغب بأن تقتسم السلطة أو تشارك فيها.

أما في ما يتعلق بقلق كوبلر ومخاوفه على "الاقتصاد الوطني الليبي"، فهو أمر يثير الحيرة كثيرا، وربما يثير الشكوك والتساؤلات. ويبدو أن هناك تصميما على خلط الأوراق لإقناع الرأي العام بأمور تتعارض تماما مع الواقع وتسلسل الأحداث. وبالتالي، يلمِّح الكثير من المراقبين بشكل ساخر إلى أن دعم الغرب للجماعات والتنظيمات المتطرفة في ليبيا وسعيه لإشراكها في السلطة نابع أساسا من "مخاوفه على الاقتصاد الوطني الليبي والنفط والغاز هناك!"، وربما يكون نابعا أيضا من تكاسل الغرب وتقاعسه في محاربة الإرهاب هناك، أو تواطؤه بشكل أو بآخر لحرمان الجيش الوطني الليبي من السلاح.

وربما يكون ملف المهاجرين (اللاجئين) في ليبيا هو الأهم والأخطر في حديث كوبلر الذي رأى أن وضعهم غير مقبول، ولا يمكنه أن يعبِّر بما فيه الكفاية على المعاناة المروعة للمهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء، خاصة القادمين من دول أفريقيا. بل وذهب للمطالبة بضرورة أن تقوم ليبيا بإلغاء تجريم الهجرة غير الشرعية وإصدار نظام للجوء في أسرع وقت ممكن! وبالتالي، فمن الطبيعي أن يطالب بتقنين أوضاعهم، وأن تتحول ليبيا إلى "معسكر اعتقال" للاجئين. أي ببساطة "جدار عازل" بين الجنوب والشمال.

فكرة "معسكرات اللاجئين" في ليبيا، يجري تداولها منذ فترة. وبالتالي كان من الطبيعي أن تناقشها قمة دول أوروبا والبلقان التي انعقدت في فيينا يوم 24 سبتمبر/ أيلول الحالي بشأن أزمة اللاجئين. فقد دعت هنغاريا الاتحاد الأوروبي إلى تأسيس "مدينة كبيرة" للاجئين، يكون موقعها الساحل الليبي لاستقبال طلبات اللجوء من القادمين من إفريقيا، وبمساعدة حكومة ليبية جديدة. وقال رئيس الوزراء الهنغاري فيكتور أوربان "ينبغي أن تكون الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي تحت السيطرة الكاملة، بما في ذلك حدود المتوسط الذي تمثل فيه ليبيا محطة أساسية".

والطريف في مقترح "معسكرات اللاجئين" أنه مقترح يتم توجيهه إلى دولة تعاني من الإرهاب والحرب الأهلية وأزمات الغذاء والمياه والأمن. وبالتالي، فإن "ضفاف نهر الدانوب، حيث يتوفر الماء والغذاء والأمن أنسب لذلك"، وفقا لما ذكره عضو المجلس الرئاسي الليبي موسى الكوني، تعليقا على المقترح. وإذا كان هناك من علَّق من ليبيا على هذا المشروع "الخطير" الذي يمكن أن ينتهي بليبيا إلى تفريغها من شعبها أصلا، وتحويلها إلى أرض "بلا شعب"، فلم يرد إلى الآن أي ممثل رسمي أو غير رسمي من مصر التي تم ذكرها أيضا، إلى جانب ليبيا، في هذا "المشروع". فقدا رأى أوربان أنه "من الضروري أن تبرم بروكسل مع السلطات المصرية أيضا اتفاقا حول إنشاء مخيمات للاجئين خارج الاتحاد الأوروبي، على غرار الاتفاق مع تركيا.. وأن هناك حوالي 5.5 مليون شخص ينتظرون في مصر دورهم للانتقال إلى أوروبا".

وفي الوقت الذي رأى فيه أوربان أن كلا من "ليبيا ومصر ستكونان لاعبين مهمين في أوروبا في سنوات قريبة"، قالت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل إن الاتحاد الأوروبي بحاجة للتوصل لاتفاقات بشأن المهاجرين مع دول أفريقية، من بينها مصر وتونس وليبيا، وأيضا مع باكستان وافغانستان، على غرار الاتفاق الذي أبرمه بالفعل مع تركيا.

ويكتمل المشهد بلقاء الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند مع رئيس الوزراء الليبي فايز السراج، حيث تم بحث التعاون الأمني والعسكري بين ليبيا وفرنسا، وكذلك مواجهة قضية الهجرة غير الشرعية، والتوصل إلى تنسيق التعاون الأمني والعسكري بين البلدين. وأعرب السراج عن استعداده لتشكيل حكومة جديدة، ودمج قوات المشير خليفة حفتر، وعدم إقصاء أحد، ولكنه لم يتحدث عن آليات أو تفاصيل.

من الواضح أن تصريحات السراج تمثل الوجه الآخر لتصريحات هولاند الذي قال "إن المجتمع الدولي لا يمكن أن يسمح بأن يتكرر في ليبيا ما يحدث في سوريا، وأن البلاد تواجه عدة مخاطر أهمها الإرهاب وتهريب البشر والأسلحة". وبالتالي، كان من الطبيعي أن يصل الرئيس الفرنسي إلى خلاصة مفادها أنه "حتى بعد إحكام السيطرة الكاملة على سرت، سيظل الإرهاب موجودا في ليبيا، ومن الضروري أن تتصدى له ليبيا وفرنسا معا، فيجب على الدولة الليبية أن تسيطر على كافة الموارد النفطية لكي يستفيد منها الشعب الليبي".

هنا نتوقف قليلا لكي نفكر في "حرص فرنسا على مصالح واقتصاد ونفط ليبيا والليبيين"، وهي التي لعبت الدور الأساسي في تدمير ليبيا، ومن أولى الدول التي أدانت قوات المشير حفتر التي أبعدت ميليشيات حرس المنشآت النفطية التي كانت تتحكم في تلك الأبار والموانئ وسلمتها إلى الجهات الرسمية المعنية!

على خلفية هذا المشهد الضبابي، أدانت موسكو إرسال بعض الدول قوات خاصة لتدريب "جماعات مسلحة" في ليبيا، ودعت إلى اتباع نهج واضح ومتسق للأمن هناك. هذه الإدانة جاءت أمام اجتماع وزاري في نيويورك على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث شدد نائب وزير الخارجية الروسي غينادي غاتيلوف على أن "الأجهزة الأمنية الموحدة وحدها يمكن أن تحصل على مساعدات عسكرية دولية في إطار القيود التي فرضها مجلس الأمن".

من الواضح أن موسكو تعرف جيدا الكثير من التفاصيل الجارية في ليبيا، إذ أن هناك بالفعل مشاكل حادة في مجال الأمن في ليبيا بسبب الضربات الجوية التي نفذتها بعض الدول في مناطق معينة هناك، وهذا أيضا ما أكده غاتيلوف الذي قال إن "دولا أخرى أرسلت فرقا من القوات الخاصة لتدريب مجموعات مسلحة، وهذا النهج يفاقم العداء والفرقة بين الليبيين". وفي الواقع، فموسكو ترى عدة أمور مهمة، على الأقل في الوقت الراهن بالنسبة لليبيا:

- التدخل العسكري غير الشرعي عام 2011 في ليبيا هو أهم أسباب تدمير البلاد، إن لم يكن الأهم على الإطلاق.

- الوضع في ليبيا لا يزال غير مستقر، ولم تحقق نجاحا حتى الآن الجهود المبذولة لاستعادة الاستقرار، ومستقبل البلاد لا يزال مبهما.

- الاتفاق السياسي الليبي لا يزال أساسا للتسوية، ويمكن التوصل إلى تسوية فقط عبر حوار صريح بين الليبيين، يتبني خطة عمل تستثني أي تدخل أجنبي.

- تحفظ روسيا بشأن العقوبات على ليبيا. وأن فرض عقوبات من جانب واحد، كما فعلت بعض الدول، لن يؤدي إلى نتيجة إيجابية.

في ضوء هذه البنود، زار المشير حفتر موسكو في يونيو/ حزيران الماضي. وكان وفد عسكري دبلوماسي قد سبقه إلى العاصمة الروسية في أبريل/ نيسان للتحضير لهذه الزيارة. وتم بحث العديد من الموضوعات والقضايا بشفافية وجدية ووضوح، وعلى رأسها توضيح الصورة الحقيقية للأوضاع في ليبيا، والظروف التي تعمل فيها قوات الجيش الوطني الليبي، والمعوقات التي تواجهها في مكافحة الإرهاب والحفاظ على وحدة الأراضي الليبية. كما جرت مناقشة آفاق التعاون، بعد رفع العقوبات عن ليبيا، في العديد من المجالات الاقتصادية والإنسانية، والعسكرية – التقنية.

أشرف الصباغ

موافق

هذا الموقع يستخدم ملفات تعريف الارتباط .بامكانك قراءة شروط الاستخدام لتفعيل هذه الخاصية اضغط هنا