المنطقة العازلة في شمال سوريا بين الواقع والمأمول

أخبار العالم العربي

المنطقة العازلة في شمال سوريا بين الواقع والمأمول
المنطقة العازلة في شمال سوريا بين الواقع والمأمول
انسخ الرابطhttps://ar.rt.com/i1i3

أحرزت المعارضة السورية المسلحة بدعم من الجيش التركي تقدما كبيرا منذ بدء عملية "درع الفرات" في الرابع والعشرين من أغسطس/آب الجاري.

وقد امتدت سيطرتها على طول الحدود السورية-التركية بين مدينتي أعزاز وجرابلس، بعمق يتراوح بين 9 و20 كم، ليبلغ مجموع مساحة الأراضي التي خضعت لها مؤخراً 750 كم مربعا.

وتهيئ هذه الانتصارات الاستراتيجية الظروف المواتية لإقامة منطقة عازلة في شمال حلب، والتي طالما دعت إليها كل من المعارضة السورية المسلحة والحكومة التركية. فما هي مراحل تطور هذا المطلب؟ وما هي أهم الأسباب التي دفعت تركيا إلى تبني هذا الخيار؟ وما هي خيارات تركيا في إقامتها؟

مطلب المنطقة العازلة

سارعت المعارضة السورية المسلحة في المطالبة بإنشاء منطقة عازلة منذ الثاني من ديسمبر/كانون الأول 2011، وتمتد المنطقة المقترحة الأولى على طول حدود إقليم هاتاي مع سوريا بعمق 20 كم داخل الأراضي السورية، لتشمل أجزاء من محافظة حلب ومساحة واسعة من محافظة إدلب. وتحوَّل المطلب بفعل كثافة تحليق طائرات القوات الحكومية بين عامي 2013 و2014 إلى أحد الثوابت التي تدعو إليها المعارضة السورية المسلحة.

وعلى الرغم من دعم عدد من الدول الإقليمية مطلب المعارضة، فإن تحقيقه تعتريه مجموعة من التحديات القانونية واللوجستية. فميثاق الأمم المتحدة لم يأت على ذكر مناطق عازلة، ولا يمكن فرضها إلا بطلب الدولة المعنية أو بتدخل مجلس الأمن تحت الفصل السابع مثلما حدث في العراق وليبيا. أما على الصعيد اللوجستي، فإن إنشاءها قد يستغرق أشهراً، وهو غير قابل للتنفيذ من دون إقحام قوات برية، الأمر الذي تستمر روسيا في رفضه حتى الآن، وسعت أمريكا (وما زالت تسعى) لتجنبه طويلاً.

أما على صعيد أنقرة، فلقد تدرجت الحكومة التركية في موقفها من مطلب المنطقة العازلة، من دعمه سياسياً أولاً، ثم إلى إبداء استعدادها لإشراك قواتها في تحقيقه لاحقاً، وأخيرا تبنيه بشكل كامل واعتباره مطلباً تركياً أصيلاً.

وفي المقابل، ترافَق تطورُ الموقف التركي مع تغير أولويات الولايات المتحدة في المشرق، حيث لم تعد الأخيرة مستعدةً للتدخل في سوريا خارج إطار محاربة تنظيم "داعش"، بالإضافة إلى عدم ثقتها بالتزام المعارضة السورية المسلحة بهذه الرؤية فيما لو قدم لها ملاذ آمن في الشمال. كما تضاءلت فرص الوصول إلى اتفاق دولي مع روسيا حول المنطقة العازلة مع تدهور العلاقات بين موسكو وأنقرة إثر إسقاط القاذفة الروسية في الرابع والعشرين من تشرين الثاني 2015. فتحول هذا المطلب إلى موضوع شد وجذب وورقة مساومة وضغط إلى أن عاد الدفء إلى العلاقات الدبلوماسية بين روسيا وتركيا، وبدأت عملية "درع الفرات".

الأهداف التركية في فرض المنطقة العازلة

تشترك الحكومة التركية مع المعارضة السورية المسلحة في المطالبة بالمنطقة العازلة في عدة أهداف، على رأسها الحد من النفوذ الكردي في الشمال. غير أن لها في المقابل أهدافا ذاتية تدفعها للمطالبة فيه وحدها، أهمها:

  1. طرد "داعش" من الحدود السورية التركية خصوصاً مع تصاعد وتيرة العمليات الإرهابية التي قادها التنظيم على أراضيها.
  2. التأسيس لرادع عسكري لوقف تمدد "حزب الاتحاد الديموقراطي" (الذراع السورية لـ"حزب العمال الكردستاني" شمال سوريا).
  3. تهيئة البيئة المناسبة لعودة اللاجئين السوريين واستقبال النازحين الجدد مع استمرار العمليات العسكرية في البلاد.
  4. امتلاك أوراق جديدة في التسوية النهائية للصراع في سوريا من خلال استغلال هامش محاربة "داعش".

ويكمن التحدي الرئيس أمام الدبلوماسية التركية في مدى قدرتها على تشكيل أكبر مساحة تقاطعات مع مصالح القوى الإقليمية والدولية الفاعلة في الجغرافية السورية، وهذه مهمة صعبة في ظل غياب التوافق الدولي والإقليمي على شكل مخرجات الحل السياسي للصراع ومدى تأثير المنطقة العازلة في مساره.

تشكُّل المنطقة العازلة

يوفر سير معارك "درع الفرات" الحد الأدنى من الشروط الميدانية لتشكُّل منطقة عازلة في شمال سوريا، وتأمل تركيا بفرضها كأمر واقع من دون اللجوء إلى مجلس الأمن، وذلك من خلال الاستناد إلى تفاهمات مباشرة مع كل من روسيا وأمريكا تضمن حيادهما على الأقل. وإذ يُستبعد أن يُقدم الجيش التركي على الدخول إلى الأراضي السورية من دون وجود اتفاق مسبق مع موسكو، فإن من البديهي افتراض وجود تفاهم حول حدود تدخله. وكذلك الأمر في ما يتعلق بإدارة توقعات واشنطن التي تشترط عدم الإخلال بسير عمليات محاربة "داعش"، وعدم التعرض لـ"حزب الاتحاد الديموقراطي". بيد أن تحقيق أهداف تركيا يتطلب بشكل رئيس الوصول إلى مدينة الباب وضمها إلى المنطقة المأمول إنشاؤها، وهنا يكمن أهم مواقع الخلاف الممكنة مع كل من روسيا وأمريكا.

فللباب أهمية استراتيجية يدركها خصوم تركيا: "الاتحاد الديمقراطي" من جهة والذي يعتبرها عقدة وصل رئيسة في مسعاه لربط كانتون عفرين بكوباني، والحكومة السورية من جهة أخرى لما يشكِّل دخول المعارضة إلى المدينة من ضغط على قواتها في حلب.

ولذا، قد تجد تركيا نفسها مضطرةً إلى مساومة كل من روسيا وأمريكا على الباب لتجنب أي مواجهة جانبية قد تؤدي إلى استنزافها في سوريا. وفي حين تلوِّح أنقرة بإمكانية اشتراكها في عملية تحرير الرقة بما يتماشى مع أولويات واشنطن في البلاد، يبقى السؤال مفتوحاً حول طبيعة التفاهم الذي قد تصل إليه مع موسكو، وما يمكن أن تقدمه لروسيا من دون التنازل عن ثوابتها ومطالبها الرئيسة الأخرى في سوريا.

سنان حتاحت

 

 

موافق

هذا الموقع يستخدم ملفات تعريف الارتباط .بامكانك قراءة شروط الاستخدام لتفعيل هذه الخاصية اضغط هنا

روسيا تحيي الذكرى الـ79 للنصر على النازية بعرض عسكري في الساحة الحمراء (فيديوهات)