حلب بانتظار الحسم.. و"أراضي داعش" تضيق على مغتصبيها
تشتعل جبهات حلب من دون أن يفلح حتى الآن الحراك السياسي والتصريحات الصادرة من هنا وهناك في إخماد نيرانها.
لم تهدأ وتيرة المعارك خلال عشرة أيام بين الجيش السوري وحلفائه من جهة، وجيوش المحيسني والجولاني وأتباعهما من جهة أخرى.
وكانت حلب خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية على موعد مع ملحمة جديدة معمَّدة بالدم عبر جولة أخرى من جولات "جيش الفتح" بقيادة ضابط الارتباط السعودي عبد الله المحيسني.
ويقول المحلل العسكري المتابع لأخبار الجبهات عن كثب كمال الجفا إنه بعد تثبيت خطوط القتال الجديدة على محاور حلب الجنوبية الغربية ودخول أحياء الحمدانية السكنية لأول مرة كخطوط اشتباك متقدمة، بعد سقوط الكليات العسكرية، فرض الطيران الحربي الروسي والسوري مظلة جوية على القطاع الشمالي من محافظتي حلب وإدلب على مدار الساعة، وقامت طائرات الاستطلاع الروسية بفرض رقابة صارمة على كل خطوط الإمداد والتنقل والدعم من أرياف حلب وإدلب وإليها باتجاه المدينة، وخاصة المحور الغربي.
وعلى الرغم من كل هذه الإجراءات، وكل الاستهدافات التي نفذها الطيران الحربي السوري والروسي على كل الأهداف الثابتة والمتحركة على مدار الساعات الـ 48 الماضية، فإن حركتي "أحرار الشام" و"نور الدين الزنكي" وبدعم من عدة فصائل أخرى، استطاعتا فتح جبهة جديدة، حيث بدأت هذه الفصائل بحملة قصف ممنهج على مواقع الجيش السوري في جبهات حلب الغربية انطلاقا من الراشدين باتجاه الفاميلي هاوس ومحيط كتيبة المدفعية وإكثار البذار وصولاً إلى مساكن جمعية الزهراء حتى الليرمون.
ويضيف الخبير العسكري أنه بعد التمهيد الناري الكثيف تقدمت سيارة مفخخة يقودها انتحاري إلى محيط مدرسة النفط، وبينما كانت تستعد للتقدم باتجاه الخطوط الأولى للجيش، عاجلها بصاروخ حراري أدى إلى تفجيرها فاندفع عشرات المقاتلين الانغماسيين للتقدم بعد التفجير. وما إن انقشع غبار التفجير ووضحت الرؤية لدى عناصر الجيش، حتى بادروا إلى إبادة المجموعة الأولى من قوات الاقتحام المندفعة، ما دفع قادة هذه العملية إلى الدفع بمجموعة أخرى دخلت باشتباكات مباشرة على محور كتيبة المدفعية وإكثار البذار، كما وسعت القوات المهاجمة من مساحة أرض المعركة لتشمل القوس الشمالي الغربي بالكامل.
وقد توقفت العملية بالكامل في الثامنة مساءً، وبحلول الظلام بدأت القوات المهاجمة بسحب قتلاها ومصابيها من أرض المعركة.
وتتحدث المشافي الميدانية للمسلحين عن 100 ما بين قتيل وجريح نتيجة هجوم فاشل لم يكن بمستوى الهجمات السابقة، ليبدو وكأنه نظم ورتب على عجل.
ويرى الجفا أن لتفجير السيارة المفخخة، التي انفجرت في معبر أطمة الحدودي، وأدت إلى وقوع 42 قتيلا و50 جريحا، أثرا مباشرا في إلغاء المرحلة الثانية من الهجوم والذي كان مخططاً له باقتحام قوات من الفرقة 13 في محور الزهراء بعد إحداث الخرق من قبل "أحرار الشام" .
وفي التوقيت نفسه، والذي بدأت فيه معركة المحور الغربي الشمالي فتحت "الجبهة التركستانية" و"جيش المجاهدين" معركة جديدة على محور معمل الإسمنت بدأت بالسيناريوهات السابقة نفسها: تمهيد ناري كثيف مع اندفاع سيارتين مفخختين، تم تفجير الأولى عن بعد. ووصلت الثانية إلى منطقة قريبة من مرصد متقدم فاندفع احد الضباط لملاقاتها ولوقف تقدمها، فانفجرت بفعل قاذفة "آر بي جي"، محدثةً بعض الأضرار بمنطقة تزيد عن 200 متر، وأدت إلى استشهاد وجرح عدد من جنود الجيش المدافعين عن معمل الإسمنت.
على المقلب الآخر، كان الطيران الحربي السوري والروسي يكملان خطة عملياتهما المقررة سابقا مع استهدافات لم تتوقف على كامل محيط خطوط التماس في المدينة والريف؛ مستكملَين فرض مظلتهما الجوية، ومانعين أي خرق لأحياء المدينة وريفها.
وعن مجريات المعارك اليوم (15/08/2016)، أشار الخبير الجفا إلى أن الاشتباكات استمرت صباحا بشكل متقطع في محيط معمل الإسمنت مع حركة أقل للطيران الحربي، ما يدل على عملية ضبط منظمة ومراقبة دقيقة لكل تحركات المجموعات المسلحة بانتظار مغامرة أخرى لها تكمل عملية استنزافها وتزيد من أعداد القتلى من المقاتلين السوريين، وخاصةً من ذوي الأعمار الصغيرة والذين تم زجهم بكثافة كبيرة وملحوظة، لا سيما بعد بدء معارك تحرير حلب من قبل المحيسني. وكان لخريجي معسكرات حملة "انفروا" العدد الأكبر من الخسائر من الأعمار ما بين 14 و18 عاما ومعظمهم من أرياف إدلب الجنوبية.
إذا، فالحشد والحشد المضاد يتواصلان في حلب، والمؤشرات تدل على اقتراب موقعة يريدها الطرفان شبه حاسمة لمسار المعركة في المدينة وريفيها الجنوبي والغربي.
وهذا "الحسم" لن يشكّل نهاية الحرب، لكنه سيكون أحد أهم المفاصل التي سترتكز إليها المراحل اللاحقة، ميدانياً وسياسياً.
أما في المقلب الآخر من الريف الحلبي، وفي شمالها تحديداً، فأعلنت "قوات سوريا الديمقراطية" تشكيل "المجلس العسكري لمدينة الباب" لتحرير المدينة الواقعة على بعد 50 كيلومتراً جنوب غرب منبج من سيطرة "داعش".
وكان "داعش" قد مُني بخسارةٍ جديدة في مدينة منبج، شرق حلب، حيث أصبحت خارج سيطرته بعد شهرين ونصف الشهر من المعارك المتواصلة مع "قوات سوريا الديمقراطية" المدعومة بمظلة جوية ودعم كبير من التحالف الدولي بقيادة واشنطن.
وتأتي هذه الخسارة لتعزز التوقعات بأن "خلافة داعش" آخذة بالتفكك شيئاً فشيئاً على وقع الحملات العسكرية التي تشن ضده من كل جانب، سواءً في سوريا أو العراق.
وتعد مدينة جرابلس في أقصى الشمال على الحدود التركية ، آخر معاقل التنظيم على الحدود السورية-التركية.
ومن الواضح اليوم أن معركة القضاء على الإرهاب بكافة مسمياته وأشكاله مستمرة ، وخاصةً في حلب ، ضد "داعش" في الشمال والشمال الشرقي، وضد أخواته في الجنوب والجنوب الغربي .
ويتوقع مراقبون أنه في حال حسم هاتين الجبهتين بهزيمة الإرهاب، مضافاً إليه الحراك السياسي النشط على خط تركيا-روسيا و إيران-تركيا، فستكون الأزمة السورية قد وضعت بشكل أو بآخر على سكة الحل.
علي حسون - دمشق