معركة الشرعية في اليمن
فيما تستمر المواجهات العنيفة بمختلف جبهات القتال، دخلت الأطراف اليمنية صراعا على الشرعية، حيث اجتمع نواب حزب الرئيس السابق علي عبد الله صالح في صنعاء وأيدوا اتفاق تشكيل مجلس رئاسي.
منذ اجتياح الحوثيين في سبتمبر /أيلول عام 2014 صنعاء، تمسك الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح بمجلس النواب الذي يمتلك حزبه الأغلبية فيه عندما كان يحكم البلاد، وعرض على الحوثيين دعوة المجلس للانعقاد وقبول استقالة الرئيس عبد ربه منصور هادي ونقل السلطات إلى هيئة رئاسة مجلس النواب تمهيداً لانتخابات رئاسية مبكرة.
ولأن من شأن هذه الخطوة أن تعيد السلطة إلى حزب صالح، فإن المصادر المطلعة تؤكد أن الحوثيين رفضوا العرض وأغلقوا البرلمان وأعلنوا نيتهم تشكيل مجلس انتقالي، وشكلوا لجنة ثورية تدير البلاد بموجب إعلان دستوري، وهو أمر جعل الرئيس عبد ربه منصور هادي يتفرد بالشرعية باعتباره رئيسا منتخبا والحوثيون "مجموعة انقلابية" واستمر الحال كذلك حتى بداية الشهر الجاري .
ومع فشل محادثات السلام في الكويت التي ترعاها الأمم المتحدة وتمسك المجتمع الدولي بشرعية الرئيس هادي وحكومته، والتعامل مع الحوثيين كمجموعة انقلابية، وتدهور الأوضاع الاقتصادية بعد عام ونصف على الحرب، عاد الحوثيون وقبلوا بإحياء دور البرلمان المنتهية ولايته منذ سبعة أعوام، ولكن من أجل إضفاء الشرعية على مجلس الحكم الرئاسي، الذي شكل من الجماعتين السياسيتين، وليس المضي في تنفيذ بنود الدستور، التي تنص على أن خلو موقع الرئاسة ينقل السلطة إلى هيئة رئاسة مجلس النواب.
وطوال الأشهر الماضية، أكد مطلعون أن الرئيس السابق قايض الحوثيين بالشرعية التي سيمنحها إليهم البرلمان في مقابل تقاسم المجلس الرئاسي وإلغاء الإعلان الدستوري وحل اللجنة الثورية، التي عملت على إحلال الحوثيين في أهم مواقع إدارة الدولة في الجهازين المدني والعسكري، على حساب المنتمين لحزب المؤتمر الشعبي، الذي يقوده الرئيس السابق.. وفعلا تم له ذلك أخيراً، لكن إخراج هذه الشرعية لم يستند على أساس من الدستور ولم يلقَ اعترافاً من أي طرف دولي أو إقليمي حتى اللحظة.
وإذ أثبتت التجربة أن الرئيس السابق سياسي متمرس وقادر على المبادرة واختراق الحصار الذي فرضه عليه السعوديون مدعومين بالولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوروبي، فإن الرئيس هادي المعترف به دوليا أظهر عجزاً واضحاً في توظيف الشرعية التي يتمتع بها في المواجهة السياسية مع خصومه، وترك أمر التواصل مع الفعاليات السياسية وأعضاء البرلمان والواجهات الاجتماعية والزعامات القبلية لغيره ووجد نفسه اليوم أمام خصم ينازعهُ الشرعيةَ بعد أن نازعه سلطة إدارة الدولة.
ولأن جلسة البرلمان تجنبت اتخاذ أي خطوة تصعيدية تجاه الرئيس هادي وحكومته، فقد حرص المتحدثون على عدم ذكر المبادرة الخليجية وولايته التنفيذية، التي مدت عمر البرلمان وحددت طريقة اتخاذ قراراته ومنحت الرئيس السابق حصانة من الملاحقة القضائية، إلا أنها اكتفت بمباركة الاتفاق بين أنصار الله والمؤتمر الشعبي، وذلك لا يعني عدم استعداد صالح للمواجهة، فالمؤشرات توضح أنه يمكن أن يواصل تحركه نحو نزع الشرعية من هادي عبر البرلمان من خلال اتهامه بالخيانة وجمع العدد المطلوب من النواب للمصادقة على ذلك، ومن ثم إحالة هادي الى المحاكمة .
لكن ووسط الحرب والصراع على الشرعية، فإن غياب أغلبية نواب البرلمان عن المحافظات الجنوبية وعدد كبير من نواب محافظتي تعز وإب يشير إلى حالة الانقسام المجتمعي التي خلفتها الحرب ويوضح أن البلاد ستمضي نحو حكومتين إحداهما تدير الجنوب والشرق والأخرى تسيطر على الشمال، فيما يتحول الوسط من تعز إلى البيضاء إلى ساحة لصراع داخلي طويل يمزق الممزق ويكشف عجز النخب السياسية عن مواجهة المخاطر التي تواجه اليمن وباتت تهدد وجوده ووحدته ونسيجه الاجتماعي.
محمد الأحمد