تمخض جبل المحكمة الاتحادية في العراق.. فولد فأرا
قضت المحكمة الاتحادية العليا في العراق بعدم قانونية جلستين لمجلس النواب، جرتا خلال نيسان الماضي، وتم خلالهما إقالة رئيس المجلس، والتصويت على خمسة وزراء جدد.
وقال المتحدث الرسمي باسم السلطة القضائية الاتحادية القاضي عبد الستار البيرقدار إن "المحكمة توصلت الى أن جلسة يوم 26 من نيسان/أبريل كانت غير دستورية. وهي الجلسة التي عقدت برئاسة الجبوري وتم التصويت فيها على خمسة وزراء جدد من ضمن برنامج للإصلاح الحكومي".
مصدر قضائي قال بخصوص عدم قانونية هذه الجلسة: "رأت المحكمة أنها جرت في ظل أجواء تتعارض مع حرية الرأي، منها دخول حرس ومنع النواب من الدخول إلى القاعة والأوضاع التي رافقتها من وجود عسكر، ونقل الجلسة من مكان إلى مكان من دون الإعلان عن ذلك مسبقاً".
وتابع البيرقدار فقال: "أما بخصوص جلسة يوم 14 نيسان/أبريل، فقد قررت المحكمة عدم دستورية هذه الجلسة". ومعلوم أنه قد تم خلال جلسة 14 نيسان/ابريل التصويت على إقالة الجبوري ونائبيه من قبل النواب المعتصمين الذين سموا أنفسهم لاحقاً جبهة الاصلاح.
ووفقاً لمصادر سياسية عراقية، فإن "القرار القضائي الصادر سياسي بحت، قد جاء ترضية لإنهاء الأزمة وردّ ماء الوجه للنواب المعتصمين في عدم شرعية جلسة التصويت على الوزراء، فضلاً عن تثبيت العملية السياسية وعدم سحب الشرعية من سليم الجبوري كرئيس للبرلمان.
وفي هذا السياق، يقول قيادي بارز بالتحالف الوطني العراقي، إن "الحكم جاء تسوية سياسية وإنهاء للأزمة"، مبيّناً أن "اتفاقاً سياسيّاً مسبقاً بين قيادات التحالف الوطني الحاكم للبلاد وبين اتحاد القوى، أفضى إلى هذا القرار". وأكد أن "الحكم أعاد كل شيء إلى مربّعه الأول".
وبقرار المحكمة الاتحادية هذا عاد المشهد السياسي في العراق إلى الحال التي كان عليها قبل الرابع عشر من نيسان. فقد حاول العبادي حينها، ومنذ التاسع من شباط الماضي، إجراء عملية إصلاح وتغيير الوزراء الحاليين الذين يرتبطون بأحزاب سياسية بآخرين تكنوقراط، لكنه واجه معارضة شرسة من كتلهم السياسية التي ترغب ببقاء الحال على ماهو عليه من محاصصة.
وقد ساند العبادي في محاولته الإصلاحية التي أُجهضت الآن حراك مدني ابتدأ منذ تموز من عام 2015، وانضم إليه الصديون في منتصف شباط الماضي، ولم يكن السيستاني بعيداً عن العبادي والصدر والحراك الشعبي.. وإن كان قد رفع يده عن العملية السياسية منذ الخامس من شباط الماضي، بعد عجزه عن دفعها إلى إصلاح نفسها بنفسها.
وبهذا تنضم المحكمة الاتحادية ربما إلى ركب المعارضين لعملية الإصلاح، الذي يتحدث الجميع عنه، لكن مواقفهم العملية تتعارض مع عجلته الحقيقية. والمحكمة الاتحادية ربما أرادت أن ترضي الأطراف السياسية المتخاصمة بعضها مع بعض داخل العملية السياسية وتصطف إلى جانبهم، لكنها لم تصطف مع مطالب الحراك الشعبي الإصلاحية.
ربما يصدق في الوضع السياسي الذي أعادتنا اليه المحكمة الاتحادية، ما جاء في المثل القائل "تمخض الجبل فولد فأرا". فقد نظم مقتدى الصدر سلسلة تظاهرات دعا فيها الحكومة إلى تشكيل حكومة تكنوقراط، وقام أنصاره باقتحام المنطقة الخضراء الشديدة التحصين مرتين الشهر الماضي، كان آخرها في العشرين من مارس الماضي؛ قبل انطلاق عملية الفلوجة بثلاثة أيام.
وربما ينتظر الجميع، بعد انتهاء معركة الفلوجة في 30 حزيران، وهو موعد انتهاء عزلة الصدر، التي بدأت في 30 نيسان الماضي، بالتزامن مع الاقتحام الأول للخضراء، رد فعل الصدر على قرار المحكمة الاتحادية.
ويذكر ان الصدر دعا تياره إلى تنظيم تظاهرة كبيرة في أول أسبوع بعد نهاية رمضان، للضغط على البرلمان للمضي بالإصلاح، واستبق موعد الثلاثين من حزيران بدعوة العبادي إلى الاستقالة، وإلا فإنه سينضم إلى المطالبين بإقالة الرئاسات الثلاث.
والسؤال هنا هل سيرد الصدر على قرار المحكمة الاتحادية الأخير الذي أعاد المشهد السياسي في العراق 75 يوما للوراء؟
ربما تكون الفرصة سانحة الآن بعد انتهاء معركة الفلوجة، التي هرب إليها المعارضون للإصلاح السياسي، والذين كادوا أن يقتتلوا جراء وصول مخاض الإصلاح إلى مرحلة ولادة، فأجهضوها وهربوا لمعركة عسكرية على مشارف بغداد، ووجدوا في الفلوجة مهرباً من أي عملية إصلاح سياسي حتى إشعار آخر. لكن معركة نينوى التي انطلقت قد تمنح معارضي الإصلاح فرصة أخرى لتعطيله.
ومع ذلك، فإن مشهد الإصلاح، الذي ظل يراوح وسيبقى يراوح مكانه في نصف العام الجاري، على ما يبدو، قد يكون مهيأ لاستقبال خطوة قادمة يقوم بها العبادي، الذي مسك عصا الإصلاح من المنتصف، وحاول ان يجاري معارضيها ومؤيديها، وقَبِل بأن يذهب لمعركة الفلوجة ويؤجل عملية الإصلاح خوفاً من خروج الأمر عن السيطرة في بغداد.
وبانتظار انتهاء عطلة الفصل التشريعي البرلمانية في الأول من تموز، هناك استعدادات لحضور العبادي الجلسة، وطرح التشكيلة الوزارية من جديد.
وفي حال لم يقدم العبادي أيا من إصلاحاته، ستعود الأزمة والتظاهر ومطالبات سحب الثقة عنه وعن رئيس البرلمان، خصوصا من الصدريين، الذين يستعدون لجولة قادمة قد تحمل في ثناياها اقتحاما ثالثا ورابعا.. وقد يكون أحدها لمقر الرئاسة الثالثة؛ أي مقر المحكمة الاتحادية.
عمر عبد الستار