هل أحرجت الحكومة المصرية مجلس النواب بتعديل قانون التظاهر؟
بإعلان الحكومة المصرية، على لسان وزير الشؤون القانونية مجدي العجاتي، نيتها تعديل قانون التظاهر؛ وجد مجلس النواب المصري المنتخب نفسه في حرج بالغ، بعد أن صم غالبية نوابه،
الذين يملكون حق التشريع، آذانهم عن مطالب واسعة بتعديل قانون التظاهر، الذي تتعارض مواده مع الدستور المصري الجديد.
وقد صمد قانون التظاهر، الذي صدر في الـرابع والعشرين من نوفمبر/تشرين الثاني لعام 2013، إبان تولي عدلي منصور قيادة البلاد، قرابة عامين ونصف أمام موجات الغضب الواسعة لدى الكثير من القوى السياسية والشباب، الذين قاموا بثورتي 25 يناير٢٠١١ و٣٠ يونيو٢٠١٣ دون جدوى، وإن ساهم إنفاذه خلال تلك الفترة في إخماد الحالة الثورية واستعادة الاستقرار في أعقاب ثلاثة أعوام من الفوضى التي ضربت البلاد.
وظلت آمال الشباب في استعادة مساحة الحرية، التي قيدها تطبيق قانون التظاهر، معلقة على مجلس النواب المصري، الذي انعقد في ١٠ يناير ٢٠١٦، لتنتقل إليه سلطة التشريع والرقابة، التي كانت في يد رئيس الجمهورية طوال فترة غيابه، ولا سيما أن الدستور نص على مراجعة القرارات كافة في القوانين التي صدرت منذ إقرار الدستور. بيد أن المفاجأة تمثلت بعدم إدراج قانون التظاهر على جدول أعمال مجلس النواب، باعتباره سابقا على إقرار الدستور الذي بدأ العمل به في عام 2014.
وعلى مدار نحو ٦ أشهر من انعقاد مجلس النواب، لم يقدم مشروع قانون واحد من قبل النواب أو الهيئات البرلمانية والأحزاب والائتلافات الممثلة في مجلس النواب لتعديل هذا القانون، وسط انشغال غالبية أعضائه في معارك تشكيل مراكز القوى في المجلس الوليد، عبر انتخابات رئيس المجلس ووكيليه وهيئات مكاتب لجانه النوعية، وصولا إلى منح الثقة للحكومة وتشكيل الائتلافات البرلمانية، التي مكنت "ائتلاف دعم مصر" المحسوب على الحكومة من حيازة قرار الأغلبية تحت قبة البرلمان، بينما اكتفى نواب قليلون بالإعلان عن نياتهم تقديم تعديلات على قانون التظاهر في المستقبل.
وبعد عامين و نصف العام من الجدل والاحتجاجات المطالبة بإلغاء قانون التظاهر، أو تعديل بعض المواد التي عدَّها حقوقيون وسياسيون "تكميما للأفواه"، التي يقبع من جرائها مئات الشباب خلف القضبان؛ قررت الحكومة تشكيل لجنة لتعديل القانون، الذي تمسكت الحكومة به، والذي قال عنه وزير الشؤون القانونية مجدي العجاتي إنه من أفضل القوانين في العالم، وألا نية لدى الحكومة لتعديله في مقابلة مع جريدة "الشروق" في 27 مايو/أيار الفائت.. قررت الحكومة تكليف وزير الشؤون القانونية بتشكيل لجنة لتعديل مواد قانون التظاهر؛ الأمر الذي يكشف ارتباط التعديلات المزمعة بتهدئة الأجواء السياسية ومحاولة الحكومة احتواء غضب الشباب بتعليمات من الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي يحتفل بمرور عامين على توليه رئاسة الجمهورية. وأوضح العجاتي أن الهدف من تعديل القانون - هذه المرة - جعْله متفقا مع الحق الدستوري للمواطنين في التظاهر السلمي، بما يدعم الحقوق والحريات التي نص عليها الدستور، وبتوازن النظام العام للدولة والحفاظ على مؤسساتها.
ويرى مراقبون أن إقدام الحكومة على تلك الخطوة أمر إيجابي، لكن جديتها مرهونة بمدى الاستجابة لما أبداه المجلس القومي لحقوق الإنسان من تعديلات، على رأسها إلغاء عقوبة الحبس والاكتفاء بتوقيع غرامات مالية مناسبة، وأن يكون الإخطار عن التظاهرة قبل موعدها بـ 48 ساعة فقط وليس7 أيام.
وفي هذا السياق، عاد نواب البرلمان لممارسة دور آخر يتمثل بالترحيب بقرار الحكومة، الذي ستؤول إليها في النهاية إحالة مقترح التعديل إلى البرلمان.
فقد رحبت مارغريت عازر، وكيل لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب، بمبادرة الحكومة، ورأت أنها استجابة جيدة من الحكومة لمطالب الشعب.
كما أشاد النائب سيد عبد العال عضو مجلس النواب المعين ورئيس "حزب التجمع"، بتكليف رئيس الحكومة شريف إسماعيل لمجدي العجاتي ومجلس النواب بتعديله، وقال عبد العال: "كنا ننتظر تعديل قانون التظاهر منذ فترة طويلة، و"كتر خير الحكومة”!.
وكان إصدار قانون التظاهر قد أثار غضباً واسعاً بعد يومين من نشره بالجريدة الرسمية؛ حيث خرجت مجموعة من الشباب يوم 26 نوفمبر/تشرين الثاني إلى مجلس الشورى للمطالبة بإلغائه. غير أن الشرطة فرقت تظاهرتهم، وقادت من استطاعت الإمساك بهم إلى القسم، لتصدر المحكمة قراراً بالسجن المشدد 5 سنوات وغرامة 100 ألف جنيه، على كل من الناشط علاء عبد الفتاح وأحمد عبد الرحمن، ومعاقبة بقية المتهمين الـ18 بالسجن 3 سنوات وغرامة 100 ألف جنيه، بتهمة خرق قانون التظاهر.
كما ارتبطت آخر وقائع تطبيق قانون التظاهر بأحكام صدرت بحبس 50 شخصًا لمدة عامين، ومعاقبة 100 آخرين بالسجن 5 سنوات وغرامة 100 ألف جنيه، على خلفية تظاهرهم في 25 إبريل/نيسان الماضي لمعارضتهم تسليم جزيرتي تيران وصنافير إلى السعودية بموجب اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع المملكة.
محمد سويد