الخاسرون والرابحون في مبادرة السيسي لحل القضية الفلسطينية
وجهت الاستخبارات العامة المصرية الدعوة إلى حركتي "فتح" و"حماس" لزيارة القاهرة قبل نهاية الشهر الجاري، لاستئناف جهود المصالحة،
والدخول في مباحثات مع الجانب الإسرائيلي في إطار مبادرة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي للسلام.
على الرغم من تعدد فصول المفاوضات الفلسطينية-الإسرائيلية، فإن الفشل كان حليفها على مدار سنوات الصراع العربي الإسرائيلي، لأسباب تباينت بين المراوغة الإسرائيلية والانحياز الأمريكي الأعمى. ولا يمكن إغفال تضارب المصالح العربية وعدم الرغبة في الاصطفاف خلف قيادة عربية موحدة، وصولا إلى الصراع الفلسطيني بين حركتي "فتح" و"حماس"، ما بدد ما تبقى من أمل لدى كل فلسطيني في الداخل وفي الشتات، وحال دون استمرار المفاوضات الرامية، لإقامة دولة فلسطينية على حدود عام 67، تكون عاصمتها القدس الشرقية.
وعلى مدار خمسة أعوام، أزاح ما يسمى "الربيع العربي"، الذي ضربت رياحه كلا من مصر وليبيا وسوريا وتونس واليمن، القضية الفلسطينية إلى المكان الخلفي في أولويات السياسة الخارجية للدول العربية والغربية أيضا، وبات الحديث عن ضغوط على الجانب الإسرائيلي للدخول في مفاوضات سلام دربا من الرفاهية لشعوب عربية، كانت تبحث عن الأمن ولقمة العيش في ظل غموض المصير. هذا، في وقت سعى فيه الجانب الإسرائيلي لتحقيق الاستفادة القصوى بإذكاء حالة الفوضى التي عصفت بالمنطقة، والتوسع الاستيطاني غير المسبوق، وصولا إلى تهويد القدس وإخفاء معالمها.
غير أن "الربيع العربي" والانتهازية السياسية الإسرائيلية لم يكونا وحدهما المحركين لإفشال جهود السلام، التي تبددت حين تلونت إحدى فصائل المقاومة الفلسطينية «حماس» بلون سياسي، وفق ما أكدته مصادر مصرية، بشأن انتمائها إلى التنظيم الدولي لـ"جماعة الإخوان المسلمين".
فقد ظنت "حماس" أن حل الدولة الفلسطينية ينطلق من حلم الخلافة، الذي سعى له هذا التنظيم، انطلاقا من تمكين الجماعة في القاهرة. ولم تتعلم "حماس" من درس إطاحة الشعب المصري نظامَ حكم الإخوان الذي حدد المصالح العليا للبلاد، وباتت ملاذا آمنا لعناصر هذا التنظيم، الذي نقلت مصادر أمنية مصرية معلومات عنه، تؤكد اتخاذه من قطاع غزة قاعدة لشن هجمات على سيناء، ومحاولة تدويل قضيتها لإحراج الدولة المصرية. ولا يمكن أن نغفل في هذا الإطار العداء التركي-القطري المعلن لثورة 30 يونيو، وعلاقة هذا الأمر بـ"حماس" في قطاع غزة. الأمر، الذي وضعها في عداء مباشر مع الشعب المصري، الأكثر تعاطفا مع القضية الفلسطينية على مدار تاريخه.
ومن دون مقدمات، جاءت مبادرة الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي دعا من صعيد مصر إلى فتح صفحة جديدة للسلام، وكل الفصائل الفلسطينية إلى إتمام المصالحة الداخلية برعاية القاهرة. وكانت تنحيته لما تعرضت له مصر من حركة «حماس» جانبا، وفاءً بتعهدات القاهرة ومواقفها المساندة للقضية الفلسطينية على مدار تاريخها، ثم الانطلاق لمباحثات فلسطينية-إسرائيلية لتوقيع اتفاق سلام طال انتظاره وسط انشغال المنطقة العربية بما تعانيه من صراعات داخلية.
وبعد رفض إسرائيل الدعوة الفرنسية لعقد مؤتمر دولي للسلام، جاءت هذه المبادرة لتشبه حجرا ألقي في المياه الراكدة، وتبعث برسالة أمل إلى كل الفلسطينيين في الداخل والخارج. ويبدو أن كل الأطراف كانت مهيأة لقبول تلك الدعوة غير المشروطة بشكل سريع؛ حيث وصل إلى القاهرة وفد "حركة الجهاد الإسلامي"، وأعلنت حركتا "فتح" و"حماس" ترحيبهما بمبادرة الرئيس السيسي، واستعدادهما للجلوس إلى طاولة المفاوضات في القاهرة. كما رحبت إسرائيل أيضا بالمبادرة، واعتبرتها خطوة علي طريق تحقيق أمن الإسرائيليين.
وبمنطق "الخاسرين والرابحين"، لا يمكن أن تؤخذ نوايا كل الأطراف المشاركة في تلك المبادرة بمعزل عن ضغوط دولية تقودها قطر وتركيا، قد تسعى لإفشال جهود الرئيس السيسي لإحلال السلام لا لمصلحة أي من الأطراف، بل سعيا لتقويض مساعي القاهرة لاستعادة دورها المحوري في الشرق الأوسط. الأمر، الذي يضع ممثلي أطراف التفاوض أمام مسؤولياتهم التاريخية من أجل رفع المعاناة عن شعوبهم باعتبارهم الرابحين الحقيقيين من مبادرة السيسي لحل القضية الفلسطينية.
محمد سويد