"التكنو أحزاب" بدلا من التكنوقراط.. وحليمة في العراق تعود إلى عادتها القديمة    

أخبار العالم العربي

انسخ الرابطhttps://ar.rt.com/hjw4

 إثر خروج التظاهرات الشعبية وتنفيذ الاعتصامات، التي دعا إليها زعيم "التيار الصدري" السيد مقتدى الصدر، استبشر العراقيون خيرا.  

ورأوا بصيصا من الأمل في الخروج من نفق المحاصصة بتشكيل الحكومة على الأقل، ولا سيما أن الجميع اعترفوا بأن الاعتصامات والاحتجاجات الشعبية هزت عروش الساسة داخل المنطقة الخضراء وأقلقتهم.

لكن المناورة السياسية للبرلمان ووعود الكتل بتطبيق المطالب الشعبية كانت نوعا من الالتفاف والمناورة لتهدئة الشارع الغاضب.

فالبرلمان بكتله السياسية وعد بالتصويت على تشكيلة رئيس الوزراء حيدر العبادي الحكومية، التي تضم وزراء مستقلين تكنوقراط بعد الانتهاء من دراسة سيرهم الذاتية، التي تم الانتهاء من دراستها شكليا ضمن المدة المحددة.

بيد أن الموقف الحقيقي لمعظم الكتل باستثناء "التيار الصدري" كان رافضا للفكرة من الأساس. وعلى ما يبدو، فإن هذا الخيار مس مصالح الكتل بشكل صريح؛ وهنا بدأت المحادثات من جديد لصياغة مخرج توافقي، كما يقال دوما في أروقة ساسة العراق.

وزير الخارجية الأمريكي جون كيري وصل إلى بغداد قبل يوم من موعد التصويت في التاسع من أبريل/نيسان الحالي، وأعلن انه لن يتدخل في أمر تشكيل الحكومة. لكن الغريب في الموضوع هو أنه اجتمع بغالبية قادة الكتل السياسية، وكان دعمه واضحا لرئيس الحكومة.

وقد تواصلت المحادثات بين الفرقاء، وبعد يومين خرجت مبادرة زعيم "المجلس الأعلى الإسلامي" السيد عمار الحكيم مؤلفة من اثنتي عشرة نقطة، ووافق عليها "اتحاد القوى العراقية" و"التحالف الكردستاني" وغالبية أطراف التحالف الوطني. وفور الإعلان عن إبرام الوثيقة التي سميت "وثيقة الشرف"، أعلن وزراء "التيار الصدري" عن استقالتهم من الحكومة، كرد صريح "على ما حيك بين قادة الكتل النيابية لضمان مصالحهم".

واللافت للانتباه هو أن بعض موقعي وثيقة الشرف هذه هم أنفسهم متهمون من قبل الشارع بالفساد وآخرين بدعم الإرهاب؛ بل إن هذه الاتهامات وجهها بعض من وقع الاتفاقية إلى غيرهم من موقعيها، كأن اتهام الشارع لا يكفي، ومطالب الشعب غير مقنعة لأصحاب القرار.

ووفقا لوثيقة الشرف الجديدة، وهي ليست أول وثيقة شرف يتم الاتفاق عليها، تم توزيع الكعكة الوزارية من جديد أمام العبادي، الذي أصبح في موقف لا يحسد عليه؛ فهو قد قدم المستقلين في كابينته (تشكيلته) الأولى، وأجبرته شروط الكتل النيابية على التراجع عنها، ليقدم أخرى لا تزال تحت رحمة قادة الكتل النيابية.

ويبرز سؤال هنا: إذا كانت الكتل قد وافقت على تقاسم الكعكة الوزارية، فلماذا تم تأجيل التصويت على الحكومة. والحقيقة، وفقا لبعض النواب، تتمثل في أن الكتل المتفقة اكتشفت أن ما حصلت عليه من الكعكة الوزارية غير مقنع لها وتريد المزيد، أو قد تكون شعرت بأن الأطراف الأخرى نالت أكثر من حقها.

وفي كل الأحوال، فقد حاول العبادي وبطريقته البراغماتية أن يتوافق مع الجميع بوساطة أو ربما، وفق مراقبين، بتدخل أمريكي.

غير أن عدة حقائق أخذت تكشفها هذه المعطيات:

أولها، أن منصب رئيس الحكومة وبغض النظر عن أي شخص يتسنمه، ووفقا لدستور العراق الحالي وفي ظل المحاصصة الحزبية والطائفية والعرقية، لا يحقق إدارة حكومية قادرة على كبح جماح تدخلات الكتل النيابية، التي تقيد هذا المنصب من كل اتجاه. والأدهى من ذلك هو أنه لا يحق لمن يتسلم هذا المنصب إقالة وزير أو تعيينه؛ بل لا يحق له إقالة محافظ وتعيين آخر.

أما الحقيقة الثانية، وفقا للشارع والمراقبين، فهي أن الكتل النيابية قد تختلف كثيرا وتتخاصم إلى حد التراشق الكلامي، وتبادل الاتهامات بكل ألوانها، لكنها عندما يجري أي مساس بمصالحها فهي ستتفق مجتمعة على الحفاظ عليها مهما كلف الثمن وبشكل سريع. 

الغريب والحزين والطريف في الموضوع، هو أن الكتل التي اتفقت على وثيقة الشرف، تعلن أنها ستحقق الإصلاحات ومطالب الجماهير من خلال توزيع الحقائب الوزارية فيما بينها على أشخاص يقولون إنهم تكنوقراط. وفي حقيقة الأمر، فإن المشهد في السلطة التنفيذية بسبب المحاصصة الحزبية والطائفية والعرقية أصبح كرقعة شطرنج يتم فيها تبادل للمواقع ببعض البيادق، ولا تتغير فيها مراكز النفوذ للقادة على وجه الخصوص. فاليوم يشترط "التحالف الكردستاني" تنصيب هوشيار زيباري وزيرا للمالية مقابل الموافقة على التصويت. وقد تكون أيضا شروط أخرى لدى "اتحاد القوى" وغدا ربما لدى "دولة القانون" أو "المجلس الأعلى الإسلامي" وبالنتيجة.. تعود حليمة إلى حالتها القديمة من دون أي تغيير يذكر.

أما المضحك المبكي في الأمر، كما يقول مراقبون، فهو أن المسرحية الجديدة تكمن في دعوات بعض النواب إلى الاعتصام داخل البرلمان احتجاجا على تأجيل التصويت، وكأنهم لا يعلمون بالصفقات السياسية التي أبرمت أو التي تحاك خلف الكواليس.

في حين أن ساسة آخرين كانوا في الأمس في مفاصل القرار واليوم خارج الدائرة ذهبوا لاتهام الساسة الحاليين بعدم الاكتراث لمطالب الشعب وهم لا يختلفون كثيرا عن بعض ما موجود في الدفة السياسية حاليا. والمؤكد أن الجميع يتحمل مسؤولية ما وصلت إليه الأمور بما فيهم الشارع أيضا، فهو من حدد موازين القوى بعد أن تحكمت به نعرات طائفية تارة، وعرقية تارة أخرى   

والثابت الآن هو أن "التيار الصدري" ألمح إلى اتخاذ خطوات جديدة وجدية ضد أي اتفاق سياسي تنتج عنه حكومة من ترشيح الأحزاب. وربما توقع البعض استخدام زعيم "التيار الصدري" ورقة الضغط الشعبي من جديد، لكن هناك تسريبات أخرى تشمل تلميحات من نوع آخر قد تكشف الأيام المقبلة النقاب عنها.

والمدهش في  الأمر أن الشارع يطالب بحكومة مستقلة وتكنوقراط، والطبقة السياسية تصر على أن تكون حكومة "تكنو أحزاب". ومطالب الشارع تركز على محاسبة الفاسدين وتطوير الخدمات ولا يوجد جواب مقنع على هذه المطالب، وما هو واضح إلى الآن أن مصلحة الشارع العراقي ومطالبه ليست أولوية بالنسبة إلى غالبية الطبقة السياسية.

وفي ظل الحرب على الإرهاب من جهة، ومحاولة الكتل ضمان مصالحها من جهة أخرى، تنهار آمال العراقيين بالإصلاحات الحقيقية على مذبح الديمقراطية. ويبقى العراق ينزف إلى اجل غير مسمى.

وعلى ما يبدو، فإن فرص إنقاذ العراق التي توفرت للعبادي تضيع الواحدة تلو الأخرى. ولن تتكرر. 

أشرف محمد العزاوي

موافق

هذا الموقع يستخدم ملفات تعريف الارتباط .بامكانك قراءة شروط الاستخدام لتفعيل هذه الخاصية اضغط هنا