هل تنجح موسكو في إعادة علاقات القاهرة وطهران؟
امتدت العلاقات المصرية-الإيرانية المتأزمة نحو ربع قرن، تخللتها زيارة للرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد، لتعود إلى التأزم بعد قيام ثورة الثلاثين من يونيو.
ولذا، فقد استقبل كثيرون إعلان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، خلال المنتدى العربي-الروسي في موسكو، عن استعداد روسيا للمساهمة في تطبيع العلاقات بين العرب وإيران، استقبله كثيرون بتفاؤل كبير، خاصة أن ذلك قد يساعد في تسوية أزمات عديدة في المنطقة، بما فيها السورية واليمنية.
تجدر الإشارة إلى أن العلاقات المصرية-الإيرانية تأزمت منذ قيام الثورة الإيرانية، واستضافة الرئيس الراحل أنور السادات شاه إيران؛ فضلا عن توقيع معاهدة كامب ديفيد للسلام مع إسرائيل، وما تبع مقتل الرئيس السادات من إطلاق إيران اسم قاتله خالد الإسلامبولي على أحد شوارعها.
ووفق التصريحات الإيرانية، فإن طهران تؤكد احترامها الكبير لبلاد الكنانة، وإن الشعب الإيراني يتلهف إلى عودة العلاقات مع القاهرة، ولذا ﻻ تنقطع المساعي الدؤوبة للحكومة الإيرانية - ﻻنعكاسات حضارية وحسابات سياسية واقتصادية - في هذا الاتجاه. ومن ذلك، ورغم انقطاع العلاقات بين البلدين، سعي دوائر إيرانية لخطب ود كتاب وصحافيين ونخب مصرية، ودعوتها إلى زيارة إيران بمناسبة ومن دون مناسبة؛ وهو الأمر، الذي استمر بشكل واضح حتى اضطرت الحكومة المصرية مؤخرا إلى ربط السفر إلى إيران بالموافقة الأمنية السابقة على الزيارة.
وفي المقابل، يؤمن النظام المصري بأن البوابة الرئيسة للعلاقات المصرية-الإيرانية هي الخليج العربي، وأنه مع استمرار المساعي التوسعية الإيرانية في الشرق الأوسط، والتهديد لأمن دول الخليج العربي وعلى رأسها البحرين والسعودية والإمارات، فإنه ﻻ مجال لعلاقات كاملة مع إيران.
وقد كانت مصر من أولى الدول، التي دانت الهجوم على المقار الدبلوماسية السعودية في إيران، حيث ندد بها وزير الخارجية سامح شكري، واصفا إياها بـ«غير المقبولة»، ومشددا على دعم بلاده للسعودية، ورفْضِ كل أشكال التدخل في الشأن الداخلي العربي، أو التأثير على الأمن القومي العربي.
وكما قال المتحدث باسم الخارجية أحمد أبوزيد، فإنه لا توجد لدى القاهرة علاقات دبلوماسية على مستوى السفراء مع طهران منذ أكثر من ربع قرن لأسباب معروفة، وإنه لا يتوقع مراقبون حدوث أي تقدم في العلاقات المصرية الإيرانية إلا إذا تحقق تغير في الأسباب، التي دعت إلى قطع الروابط الدبلوماسية.
ويبدو أن الرفض المصري للتدخل الإيراني في الشؤون الداخلية لدول كاليمن ولبنان والبحرين والسعودية هو من أبرز الخلافات الواضحة، والمواقف المتباينة بين البلدين؛ وكذلك رفض مصر التهديد الإيراني للأمن القومي العربي، فضلا عن الرفض المؤسسي الديني لما يعرف بـ"التبشير الطائفي المذهبي"، والاختراقات الإيرانية للشعب المصري .
وعلى الرغم من كل ما سبق، فإننا نجد أن هناك شبه توافق مصري إيراني في الملف السوري على اختلاف منطلقاتهما حيال القضية. إذ تؤكد القاهرة أن العملية السياسية مسألة جوهرية لوضع حد للمأساة، التي يواجهها الشعب السوري.
ولذا، فإن التوافق-المصري الإيراني وارد؛ وربما حال التدخل الروسي والقناعة المصرية دون نشوب معركة عملت قوى غربية في مقدمتها الولايات المتحدة، على الدفع باتجاهها؛ خاصة أن ملف التدخل الخليجي التركي بريا في سوريا يعنى إعلان حرب طائفية ستكون مدمرة للمنطقة برمتها. وربما يكون الطرح الروسي اﻵن للمصالحة أو حتى للتهدئة بين العرب وإيران سببا في إخماد الشرارات، التي قد تدفع إلى إشعال تلك الحرب.
المفكر السياسي الدكتور مصطفى الفقي قد يكون أحد أبرز ساسة مصر المتحمسين ﻻستعادة العلاقات المصرية-الإيرانية؛ فهو يؤكد أن ذلك سيزيد من قوة مصر ونفوذها في الشرق الأوسط وعلى المستوى الدولي. ويضيف أن الصراع الحقيقي بين إيران والمنطقة العربية ليس صراعا مذهبيا دينيا على الإطلاق، بل هو صراع قوميات، وفق رؤيته.
أما مساعد وزير الخارجية الأسبق السفير جمال بيومي، فقد شدد على استحالة عودة العلاقات المصرية-الإيرانية ما دامت طهران تطلق على أحد شوارعها اسم قاتل السادات؛ وأشار إلى أنه من الصعب حدوث تقارب في الوقت الحالي، لا سيما مع التصعيد في الأزمة الخاصة بالسعودية.
وهكذا يبقى السؤال الصعب: هل ستنجح موسكو في إنهاء قطيعة مصرية-إيرانية استمرت قرابة ربع قرن؟ سؤال ستكون لإجابته آثار ستشهدها مناطق التوتر المختلفة في الشرق الأوسط.
إيهاب نافع