هل تصبح إيران نقطة التقاء موسكو وواشنطن لتسوية أزمات الشرق الأوسط؟
حسم الساسة أمرهم ووقعوا على الاتفاق النهائي لتسوية الملف النووي الإيراني، بصرف النظر عن التقارير الإعلامية والخلافات النظرية حول من مع أو ضد هذا الاتفاق.
على الرغم من إعلان التوصل إلى اتفاق نهائي، إلا أن إسرائيل أبدت غضبها واعتراضها على هذا الاتفاق، وأعلنت عدم التزامها به، واصفة إياه بـ "الخطأ التاريخي" على لسان رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو.
هذا في الوقت الذي التزمت فيه دول الخليج الصمت، ما فسره الكثيرون بعدم رضائها عن هذا الاتفاق.
غير أن وكالة الأنباء السعودية الرسمية أعلنت أن العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز تلقى اتصالا هاتفيا من الرئيس الأمريكي باراك أوباما، أطلعه فيه على فحوى الاتفاق، مبديا حرص الولايات المتحدة على السلام والاستقرار فى المنطقة.
وكان رد العاهل السعودي، وفقا للوكالة، أن المملكة تؤيد أي اتفاق يضمن منع إيران من الحصول على السلاح النووي، ويشمل فى الوقت ذاته على آلية تفتيش لكافة المواقع، أما إسرائيل فهي ترفض الاتفاق من حيث المبدأ، لأنها ترى أنه يشكل خطرا على وجودها، على الرغم من أنها قوة نووية لا تخضع لجميع البروتوكولات الدولية ما يثير الكثير من المشاكل في المنطقة.
الرئيس باراك أوباما أعلن أن الولايات المتحدة ملتزمة بالحفاظ على أمن إسرائيل. هذا التصريح صدر لطمأنة تل أبيب، وتذكيرها بتعهد واشنطن الدائم بحمايتها والحفاظ على أمنها.
ويبدو أن هذه التصريحات لم تكن كافية بالقدر الذي يحافظ على مستوى علاقات واشنطن بحلفائها في المنطقة. وبالتالي، كان على البيت الأبيض أن يبعث ليس بدبلوماسي، بل بعسكري في حجم وزير دفاعه آشتون كارتر إلى المنطقة في جولة "إقناع" تبدأ بتل أبيب نفسها. ومن المتوقع أن يزور كارتر عواصم عربية حليفة في المنطقة لإزالة أسباب القلق، وربما بوادر الخلاف التي يمكنها أن تتسبب في بعض الإجراءات المفاجئة من تلك الدول. وبالفعل أكدت مستشارة الأمن القومي الأمريكي سوزان رايس أن وزير الدفاع سيتوجه أيضا إلى السعودية.
زيارة كارتر سبقها عدد من التصريحات المهمة كرسائل. إذ قال نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن إن الاتفاق حول البرنامج النووي الإيراني لا يلغي احتمالية استخدام بلاده القوة ضد طهران، إذا ما شكلت الأخيرة خطرا للأمن القومي الأمريكي. هذه الرسالة كانت موجهة في الأصل إلى الداخل الأمريكي، والمشرِّع الأمريكي، ولكنها في الوقت نفسه رسالة تهدئة وتطمين.
وسبقتها رسائل مماثلة في كلمة الرئيس أوباما عقب إعلان التوصل إلى الاتفاق مع إيران. غير أن أوباما ألمح إلى أمر آخر تماما يتعلق بتحركات إيران في المنطقة، مشيرا إلى أن هناك عددا من الآليات وفقا للقانون الدولي تعطي الحق القانوني لاعتراض أي شحنات سلاح قادمة من إيران إلى منطقة الشرق الأوسط.
وأكد أوباما في مؤتمر صحفي عقده في البيت الأبيض، أن المصلحة الوطنية للولايات المتحدة تقضي بمنع إيران من إرسال أسلحة إلى تنظميات الشرق الأوسط، مثل حزب الله، أو الحوثيين فى اليمن، حتى لا يزيد ذلك من إشعال الصراع في المنطقة، على حد قوله.
ودافع مجددا عن رفع حظر الأسلحة المفروض على إيران بعد خمسة أعوام، وعلى الصواريخ الباليستية بعد ثماني سنوات وفقا للاتفاق.
لا أحد يدري بالضبط الأهداف الحقيقية وراء هذا التصريح، وإن كان المتابعون فسروه بـ "مسمار جحا" من أجل إيجاد ذريعة جاهزة لتوجيه اتهامات إلى طهران في أي وقت، أو تحذيرها بضرورة ضبط علاقاتها مع أطراف لا تروق بعد لواشنطن وحلفائها.
لقد تم التوصل إلى اتفاق بشأن الملف النووي الإيراني. وإمعانا في التأكيد على ذلك، أجرى الرئيس الأمريكي باراك أوباما اتصالا هاتفيا مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ليشكر روسيا على دورها في التوصل إلى هذا الاتفاق.
وأقر الرئيسان، وفقا لبيان الكرملين، أن الاتفاقية تتناسب مع مصالح المجتمع الدوليبالكامل، وتسهم في تعزيز نظام عدم انتشار الأسلحة النووية، وتخفيف التوتر في الشرق الأوسط، ومكافحة الإرهاب.
أما البيت الأبيض، فقد ركز في بيانه على أن زعيمي البلدين اتفقا على مواصلة التعاون المشترك بشأن تطبيق بنود الاتفاق، ورغبتهما الأكيدة في العمل معا على تخفيف حدة التوتر في المنطقة، وخاصة في سوريا.
ويبقى فقط أن تعلن واشنطن عن مبادرات إيجابية قابلة للتطبيق على أرض الواقع، سواء في مكافحة الإرهاب والابتعاد عن المعايير المزدوجة، أو في تسوية الأزمة السورية التي تشكل حجر الزواية في الوقت الراهن.
وهنا لا يمكن الاستغناء عن الدور الإيراني الذي يجد ترحيبا من موسكو وواشنطن، على حد سواء، في ملف مكافحة الإرهاب.
وهو الدور الذي يحتاج إلى جهود مشتركة من جانب روسيا والولايات المتحدة لدمج إيران أولا في المنطقة، ومساعدة طهران في تجاوز عقبات إقليمية قديمة أو جديدة ناجمة بفعل ما يجري في الوقت الراهن، وعقبات داخلية قد تظهر مع هبوب رياح الانفتاح والتغيير على المجتمع الإيراني بعد عشرات السنوات من الحصار والعقوبات والانغلاق الاقتصادي والسياسي والإعلامي.
أشرف الصباغ