صحيفة عراقية: "العبادي حث بوتين على منع المقاتلين الروس من الانضمام إلى داعش"!!!
بقلم أشرف الصباغعقب زيارة رئيس الحكومة العراقي حيدر العبادي إلى موسكو، وبتاريخ 23 مايو/أيار الحالي، صدرت صحيفة "الزمان" بمانشيت ضخم :"مكتب العبادي لـ (الزمان): رئيس الوزراء حث بوتين على منع الروس من الانضمام إلى داعش"! وتبدأ المادة الصحفية كالآتي (كشف مكتب رئيس الوزراء أمس عن طلب رئيس الوزراء حيدر العبادي من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين العمل على منع المقاتلين الروس من الانضمام إلى تنظيم داعش والتوجه إلى القتال في العراق...)..
الصحيفة العراقية تستند، في ما طرحته، إلى مكتب رئيس الوزراء العراقي بعد زيارة أكد الطرفان العراقي والروسي على أهميتها وآفاق نجاحها في بدء علاقات تعاون متعددة المحاور لصالح البلدين والشعبين، إذن، فماذا حدث بالضبط، لكي يصرح مكتب العبادي – حسب الصحيفة - بأن دولة رئيس الحكومة توجه إلى بوتين ليحثه على منع "المقاتلين الروس" من الانضمام إلى داعش؟!
من الواضح أن المشكلة ليست في مكتب العبادي، أو حتى في الصحيفة المذكورة، بقدر ما هي في العقل الجمعي الذي يفكر بهذه الطريقة، ويهب نفسه إما للمؤامرات، أو للصراعات، أو للحملات الإعلامية الرخيصة، وفي أحسن الأحوال يلجأ إلى كل ذلك لكي يطهِّر نفسه تماما ويبعد أي شبهة للإرهاب عن نفسه ليلصقها بالآخرين لحساب أطراف قد يعرفها وقد لا يعرفها.
كثير من وسائل الإعلام العربية تسعى جاهدا للتأكيد على أن الإرهاب جاء من خارج الدول العربية، وأن جيوش "المقاتلين الإرهابيين" جاؤوا من الخارج حيث تدربوا وتم تمويلهم وتجهيزهم من أجل أن يشوهوا صورة الإسلام ويقتلوا المسلمين الأبرياء من كل شيء والأطهار الذين لا يأتيهم الباطل لا من أمامهم ولا من خلفهم، وبالتالي، لا يمكن أن نتحدث عن أي إرهاب إلا الإرهاب القادم من الخارج على اعتبار أن المنطقة العربية خالية تماما وغير مذنبة، وإنما هي مؤامرة كونية.
من الواضح أن هذا يكشف عن نسق تفكير ورؤية للعالم، والنسق والرؤية يكشفان بدورهما عن انقطاع تام عن التاريخ والزمان والأحداث، لأنه لا إشارات أو تلميحات هنا عن الأطراف التي ساعدت في تأسيس "طالبان" في أفغانستان، والدول التي مَوَّلت ودرَّبت ورعت، لا حديث هنا عن تأسيس القاعدة والدول والأطراف التي ساهمت "بالمال والرجال" من جهة، أو الدول التي منحت حق اللجوء السياسي لعناصر هذه التنظيمات وقياداتها من جهة أخرى.
في سنوات التسعينات من القرن العشرين، وبعد تفكك الاتحاد السوفيتي، ظهرت مؤسسات خيرية وصناديق للدعم في بعض الدول العربية، وعن طريق سفارات هذه الدول العربية في موسكو، شرعت هذه المؤسسات والصناديق في إرسال الطلاب من شمال القوقاز ومن بعض الجمهوريات السوفيتية السابقة (كازاخستان وطاجيكستان وأوزبكستان وقيرغيزستان وأذربيجان وتركمانستان) إلى خمس دول عربية للدراسة في مؤسساتها التعليمية الدينية، وفي منتصف التسعينات بدأت الحرب الشيشانية الأولى، ليشهد إقليم الشيشان الروسي جحافل المؤمنين الذين جاؤوا لنصرة الإسلام في روسيا وتأسيس دولة الإسلام في شمال القوقاز، والمدهش أن الغرب كان يطالب أيضا بحق تقرير المصير لأحد الأقاليم الروسية (الشيشان) ويدعم عناصر الإرهاب ليس فقط ماديا واستخبارتيا، بل وأيضا في المحافل الدولية.
لسنا هنا بمعرض توجيه اتهامات لدول أو شعوب، لأننا نواجه الإرهاب جميعا بدون مزايدات رخيصة أو معايير مزدوجة، وإذا كانت هناك رغبة في التأكد من هذا الكلام، فعلى الجهات المختصة أن تراجع أرشيف سفاراتها في روسيا، وأرشيف مؤسساتها التعليمية الدينية في الداخل في الفترة من العام 1992 إلى العام 2001.
إن ما تعتبره الصحيفة العراقية، استنادا إلى مكتب رئيس الوزراء العراقي، "المقاتلين الروس"، شكل من أشكال خلط الأوراق والتضليل المرعب، إن من تسميهم الصحيفة بـ "المقاتلين الروس" تعلموا وتدربوا في دول عربية كانت تطمح لنشر الإسلام في روسيا وتأسيس دولة الخلافة هناك في تسعينات القرن العشرين، هؤلاء "المقاتلين الروس" قتلوا الأطفال والنساء في المسارح والمدارس والمستشفيات ومحطات المترو، قاموا بتفجير الحافلات المكتظة بالركاب والمباني السكنية في ساعات الصباح الأولى.
فعن أي "مقاتلين روس" يجري الحديث بالضبط؟ عن أولئك الذين تعلموا وتدربوا وحصلوا على الأموال والأسلحة من دول عربية بعينها لتحرير المدن والأقاليم الروسية من "الاحتلال الروسي" تمهيدا لإعلان دولة الخلافة، أم عن قيادات وشخصيات حصلت على اللجوء السياسي في الولايات المتحدة وعدد من الدول الأوروبية وعاشت على تمويلات ضخمة مكنتها من المشاركة باستثمارات في مؤسسات غربية وعربية؟
وفقا لما نشرته الصحيفة، استنادا إلى مكتب رئيس الوزراء العراقي، يتضح أن بوتين يستطيع أن يلتقي هؤلاء "المقاتلين الروس" ويطلب منهم أن يكفوا عن الذهاب للقتال في العراق، بل ويستطيع أن يصدر مرسوما رئاسيا يمنع قواته من "المقاتلين الروس" من التوجه إلى العراق! فهل تعرف الصحيفة أن التلاميذ والطلاب الذين أرسلتهم المؤسسات والصناديق العربية تزوج بعضهم من عربيات وتوجهوا بعد ذلك لتحرير كوسوفو والشيشان؟ هل تعرف الصحيفة المحترمة أن "المقاتلين الروس" الذين تتحدث عنهم ينكرون أصلا أنهم "مواطنون روس" يحملون جوازات سفر روسية، وإنما ينتمون إلى قوميات أخرى ضمن القوميات التي تضمها الدولة الروسية الفيدرالية ويعلنون عن إيمانهم العميق وإسلامهم القويم وانتمائهم التاريخي إلى العرب والمسلمين؟
الصحيفة المحترمة، لم تقتطع من وقتها بعض الدقائق لتسأل "مكتب رئيس الوزراء" عما إذا كان قد وجه نفس الدعوة لرؤساء الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وهولندا وتركيا، وبعض قادة الدول العربية والإسلامية الأخرى؟ وعن هوية "صقور الخلافة الداعشية" الذين يتحدثون الإنجليزية والفرنسية والعربية بطلاقة قبل ذبح الرهائن والمختطفين وقتل الأطفال والنساء؟! وهل تعتقد الصحيفة التي استندت بقوة إلى مكتب رئيس الوزراء، أنها عندما تعلن بكل هذه "الصراحة والمهنية"، تكون في الوقت نفسه قادرة على تطهير العرب والمسلمين وأنها اكتشفت "القاطرة البخارية" وكشفت عن "المقاتلين الروس" الذين يقاتلون في صفوف داعش، وأن التربة العربية الإسلامية نقية وطاهرة وتتعرض لمؤامرة كونية؟ وهل تعتقد فعلا الصحيفة أن الإرهاب والقاعدة وداعش جاؤوا من الخارج ليشوهوا صورة الإسلام ويقتلوا المسلمين الأطهار، وأن كل شيء على ما يرام في أرض العرب والمسلمين؟! إن دقائق قليلة لفحص مواقع التواصل الاجتماعي أو الاطلاع على مواقع رسمية وغير رسمية على الإنترنت كان من الممكن أن تكشف للصحيفة المحترمة عن أسماء وجنسيات القيادات والعناصر سواء التي تعيش في أوروبا، أو تحمل الجنسيات الأمريكية والأوروبية، أو تلك التي حصلت على حق اللجوء السياسي في تلك الدول..
إذن، رئيس الوزراء العراقي، وفقا للصحيفة التي استندت إلى مكتبه، "حث بوتين" على منع "المقاتلين الروس"، ونحن في انتظار أن تطلعنا الصحيفة (استنادا إلى نفس مصادرها) عن رد فعل بوتين! فهل تدرك الصحيفة التي استندت إلى مكتب رئيس الوزراء العراقي مدى السقطة المهنية والسياسية التي ارتكبتها؟ ومن المؤكد بطبيعة الحال أنها اطَّلَعت على رؤية الإدارة الأمريكية للإرهاب ولعالم الإرهابيين الواسع، فالإدارة الأمريكية أيضا تعتبر روسيا وداعش على رأس قائمة الأخطار التي تواجهها الولايات المتحدة، هذا التعميم المخل والتضليلي جزء من حملة إعلامية – سياسية ضخمة تشنها دول غربية بعينها ليس فقط على روسيا، وإنما على بوتين شخصيا، ومن المؤسف أن يقع نفس الذين يُقْتَلون بيد الإرهاب ويعانون من ويلاته في مصيدة الدعاية الغربية الفجة التي توجه الاتهامات إلى الآخرين وتخلط الأوراق، سعيا إلى تبرئة ساحتها من استخدام وتوظيف الإرهاب، وتبرئة ساحة شركائها الذين علَّموا ودربوا ومولوا تلك التنظيمات بالأموال وبالعناصر طوال الأربعين سنة الماضية من أجل إقامة دولة الخلافة..