مصير سورية لم يعد في أيدي السوريين
سنتان من الزمن ، الا قليلا ، باعدت ما بين تظاهرات سلمية خجولة ، ونزيف دم متواصل بات يعم غالبية محافظات القطر السوري . فترة زمنية قصيرة لكنها مختلفة من حيث الشكل ومن حيث المضمون .
سنتان من الزمن، الا قليلا ، باعدت ما بين تظاهرات سلمية خجولة ، ونزيف دم متواصل بات يعم غاليبية محافظات القطر السوري . فترة زمنية قصيرة، لكنها مختلفة من حيث الشكل ومن حيث المضمون .
ثوار سورية المدججون بالسلاح على خطوط النار اليوم ، ليسوا هم الثوار الذين اطلقوا الهتافات المنادية بإصلاح النظام والمطالبة بالحرية واسقاط الرئيس خلال تظاهرات الامس في زواريب الأحياء الدمشقية القديمة ، وقادة الأمة السورية المنشقون عن انفسهم يوما بعد آخر ، ليسوا هم قادة الامس الذين كانوا يضبطون بقرارات من قصر المهاجرين ايقاع السياسة والامن والاقتصاد بقبضة من حديد في كافة أنحاء البلاد ، ولا الظروف ولا الاحداث والأزمات الداخلية والإقليمية والدولية هي نفسها ، فكل ما يدور في الفلك السوري تغير، وربما من النقيض إلى النقيض .
عقدت قمة عربية لمساعدة السوريين في الخروج من الأزمة ، واجتمع مجلس الأمن الدولي مرات عدة للغرض نفسه ، والتأمت الجمعية العامة للأمم أيضاً مرات عدة وعلى رأس جدول أولوياتها وقف المواجهات الدموية في سورية . اجتمع أصدقاء الشعب السوري في تونس وباريس ونيويورك وغيرها من العواصم لدعم الشعب السوري ، وجنيف استضافت أصحاب القرار في العالم لمناقشة المعضلة السورية ، ولكن وعلى الرغم من كل التظاهرات الاستعراضية الدولية والإقليمية ، فان جهة واحدة لم تتمكن من إصدار قرار يضع حدا للعنف في البلاد ، لا بل ان كل ما نتج عن الاجتماعات الأممية والعربية لم يتعد مبدأ التوصيات ، وتمديد المهل ، وتبديل المبعوثين الامميين وإعلان الدعم لخططهم وبرامجهم غير القابلة للصرف في الداخل السوري .
ومن خلال متابعة دقيقة للحراك الدولي في الفلك السوري ، فان كل المؤشرات تدل على ان مصير سورية لم يعد في ايدي السوريين ، وان كل قرارات وبيانات القيادة السورية ، من أعلى هرم السلطة إلى أسفله ، لا تتعدى عتبة الحفاظ على سلطة تحاول ترتيب هيكليتها لكي تكون ورقة رابحة في ايدي حلفائها الخارجيين . وعلى المقلب الاخر فان جرعات الدعم التي تسعى اليها المعارضة السورية بكافة اطيافها لا تخرج عن اطار تظهير صورتها كقوة مؤثرة في الداخل السوري ، لكي يتمكن ايضا حلفاؤها من استخدامها كورقة فاعلة على طاولة المفاوضات الدولية .إذا أطراف النزاع من السوريين هم خارج معادلة التسويات المنتظرة ، وحلفاؤهم في الخارج ليسوا على عجلة من أمرهم لإيجاد تسوية تضمن الحد الأدنى من عدم انزلاق سورية إلى حرب أهلية، حتما ستأتي في المحصلة على الأخضر واليابس ، بعد ان أتت خلال الفترة الماضية على كل مقومات الدولة السورية . وعلى الرغم من ذلك فان المواقف الدولية والعربية والداخلية لا تزال تراوح مكانها ، فلا حلفاء النظام قادرون على مساعدته لوقف تمدد نشاط المعارضة ، ولا حلفاء المعارضة قادرون على مدها بما يلزم لحسم المعركة وإسقاط النظام .
عربيا العجز واضح في لعب دور فاعل في الأزمة السورية ، وذلك يعود إلى ان عرب اليوم هم ليسوا عرب الأمس ، وعرب الأمس ليسوا عرب الأول من امس ، ويختصر الدور العربي بسلسلة مواقف تفتقر للجرأة ، وتدور في حلقة مفرغة .
ولكن يبرز سؤال عن أسباب العجز الأممي في اتخاذ قرارات واقعية تتلائم مع تطور الأحداث الميدانية والسياسية في سورية ؟ فهل فعلا بات المجتمع الدولي بين ليلة وضحاها عاجزا عن إيجاد لغة مشتركة في هذا الملف، أم ان هناك توافقا دوليا وإقليميا وعربيا ما لتمديد عمر الأزمة السورية ، توافق غير معلن وغير مبرر ، لان تجربة الحروب الأهلية التي خضعت لتدخلات وإملاءات خارجية ، أثبتت ان الدول الفاعلة ليست مؤسسات خيرية ، هدفها تقديم الدعم للخروج من الأزمات ، لا بل أنها تدافع عن مصالحها وعن مناطق نفوذها ، دون ان تعير انتباها للدمار والدم . فمتى سيدرك السوريون معارضة وموالاة أنهم هم وحدهم المعنيون في هذه الأزمة ، وان عليهم أخذ زمام المبادرة واتخاذ مواقف جريئة لإنقاذ بلادهم .
عمر الصلح
المواضيع المنشورة في منتدى روسيا اليوم لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر إدارتي موقع وقناة "روسيا اليوم".