سورية وغزة بين غيابين للعقل والمصداقية في الإعلام العربي
بذلت جهود جبارة لتغييب العقل العربي، لمنع الإنسان العربي من التفكير، وساهمت الفضائيات بقسط لايستهان به في هذه العملية تنفيذا لخطط رسمتها الأنظمة، إلى جانب العديد من المؤسسات (الإعلامية والثقافية) التي أوصلت مستوى التقبل لدى الإنسان العربي الى حد الابتذال. وظهرت نتائج العملية في التراجع الكبير للطباعة والنشر، في غياب الكتب وفي تقلص هائل لعدد المكتبات، وكذلك في الانصراف عن القراءة، وبات الإنسان غير القادر أو غير الراغب في التفكير ينتظر رأي الغير ويتقبله ببساطة كحبة الملبس إذا كان مغلفا بطبقة ملونة حلوة من السكر.
بذلت جهود جبارة لتغييب العقل العربي، لمنع الإنسان العربي من التفكير، وساهمت الفضائيات بقسط لايستهان به في هذه العملية تنفيذا لخطط رسمتها الأنظمة، إلى جانب العديد من المؤسسات (الإعلامية والثقافية) التي أوصلت مستوى التقبل لدى الإنسان العربي حد الابتذال، وظهرت نتائج العملية في التراجع الكبير للطباعة والنشر، في غياب الكتب وفي تقلص هائل لعدد المكتبات، وكذلك في الانصراف عن القراءة، وبات الإنسان غير القادر أو غير الراغب في التفكير ينتظر رأي الغير ويتقبله ببساطة كحبة الملبس إذا كان مغلفا بطبقة ملونة حلوة من السكر.
من هذه المؤسسات التي قامت ولاتزال بدور هائل في اغتصاب العقل وتشويه الواقع، الصحف العربية الأكثر انتشارا، لاسيما الصحف الخليجية (لأن لدى القارئ مناعة مضادة للصحف الرسمية كل في دولته). هذه الصحف تسابقت منذ بدايات الربيع العربي إلى تغطية الأحداث الدرامية بصورة غير مهنية، وتسابق موظفوها (لأن الصحفيين منهم براء) في الإعراب عن آرائهم الخاصة التي تفتقر إلى الموضوعية وتتفق مع الرأي الخليجي الرسمي. كتّاب هذه الصحف يدّعون منذ ربيع عام 2011 أن النظام السوري يعيش آخر أيامه، ويرون أن ممثل الشعب الذي يقاتل النظام في الداخل هو المجلس الوطني الموجود في الخارج. ومع كل انحناء في الخط السياسي المتبع خليجيا ينحني قلم الصحفيين العظام، فلنر تبريرهم لآخر الأحداث المتعلقة بالمعارضة السورية في مثال صحيفة "الشرق الأوسط" وكتابها. تحت عنوان (المعارضة السورية وانتقادات الخارج) كتب أكرم البني: "شجعت هيلاري كلينتون في دعوتها لتجاوز زعامة المجلس الوطني وتوسيع تمثيل المعارضة السورية بعض أطرافها على إحياء مبادراتهم ... وكان الوليد الائتلاف الوطني السوري.
ليس أمرا جديدا أو مستغربا أن تحفز انتقادات الخارج حراكا في الوسط المعارض، وهو المعروف بحساسيته وسرعة استجابته لما يسمى النصائح العربية والغربية الداعمة للثورة، وكلنا يذكر كيف تسابق المعارضون لعقد المؤتمرات بين أنطاليا وإسطنبول وإعلان مجالس وطنية تلبية لإشارات صدرت عن هذا الطرف الخارجي أو ذاك، كشرط لتقديم الدعم الضروري للثورة وتشبها بالدور الذي لعبه المجلس الوطني الانتقالي الليبي".
إذاً يرى موظفو الصحف الخليجية أنه لولا هيلاري كلينتون لما ولد الائتلاف الوطني السوري، وبالنسبة لهم ليس جديدا ولامستغربا أن يتسابق المعارضون لتنفيذ إرادة واشنطن وحلفائها. يقرّ البني بهذا بشكل أوضح لاحقا: "كل ما سبق هو إشارات واضحة تدل على حجم الاهتمام الذي تعيره أهم أطراف المعارضة السورية للانتقادات والاقتراحات الخارجية".
بعد هذه الكلمات يعتقد البني أنه صرّح بالكثير، وربما شطح قليلا عن الخط السياسي المرسوم والمسموح به، فيلجأ إلى التبرير ويجد أسباب ما ورد أعلاه في العوامل التالية:
أولا، ارتباك المعارضة السورية وهشاشة حضورها وضعف ثقتها بنفسها أمام دور مفاجئ لملء فراغ سياسي لم يكن في حساباتها، ولنقل: ألقي على عاتقها في غفلة من الزمان ...
ثانيا، ضعف تأثيرها في الحراك الشعبي ... لتبدو المعارضة السورية في أحسن الأحوال، كرد فعل أو صدى لصوت الثورة وما يحققه الوجود العسكري على الأرض.
ثالثا، الدور الكبير الذي يحتله العامل الخارجي والإرادة الدولية وطابع قراراتها في تقرير نتائج الكثير من الأزمات الإقليمية والصراعات الوطنية... وإذا كانت العوامل الإقليمية والدولية مرشحة للتطور، خاصة بعد تشكيل الائتلاف الوطني، فإن المرء لا يحتاج إلى التأمل كثيرا كي يستنتج أنه إذا كان من المهم وجود حساسية لالتقاط جديد مواقف الخارج وانتقاداته، فإن المهم هو قدرة المعارضة... .
هكذا... بالطبع ليس هذا رأيا شخصيا للسيد البني بل انعكاس لخيط سياسي يمر بالدوحة، بدايته في واشنطن ونهايته في زعماء المعارضة، والبني بصورة مموهة يعكس خيبة أمل واشنطن بالمعارضة الهشة الضعيفة عديمة التأثير والتي لاتمثل الشعب وليست أهلا للقيام بالدور الكبير الذي يلقيه على كاهلها العامل الخارجي والإرادة الدولية.
الصحيفة نفسها تستغل الحرب الإسرائيلية على غزة لتمرير السياسة الخليجية، وتحديدا للنيل من ايران ومن النظام السوري، فيعتبر كاتبها طارق الحميد أن كل "حرب هي للتغطية على حرب أخرى، وما يحدث في غزة هو هروب للأمام على أمل حماية الأسد، وأبرز مهندسي هذا الهروب هو إيران، منذ طائرة «أيوب» بلا طيار، وكذلك كل المحاولات في سيناء. وعندما لم تتحرك سريعا جبهة الجولان كما أراد الأسد وإيران، تم اللجوء إلى جبهة غزة لأنها أسرع اشتعالا، كما أنها أسهل بالنسبة لإسرائيل". لم يأت الحميد بشيئ للبرهنة على مقولته، وكأنه واثق أن القارئ سيتقبّلها هكذا وفق العادة، مع أنه يذكر لاحقا عددا من الأسباب لحرب غزة لاعلاقة لسورية وللأسد بها، "غزة بالنسبة لإسرائيل بمثابة كيس ملاكمة للتدريب... ففي غزة تستطيع تل أبيب تكسير حماس، وإحراج مصر مرسي، الذي يعتبر الخاسر الأكبر في هذه المعركة، مهما فعل ... كما أن ضرب غزة بالنسبة لإسرائيل فيه رسالة قوية للأسد، وقصقصة لأجنحة إيران، وفوق كل ذلك فإن ضرب غزة تعزيز لفرص نتانياهو في الانتخابات القادمة". القضية هي أن القيادات الخليجية الأساسية استطاعت بتوجيه أمريكي فرض وجهة النظر التي تعتبر ايران العدو الأخطر على المنطقة، ولذلك راحت الأبواق تبحث عن يد طهران في كل مكان بما في ذلك في العدوان الاسرائيلي دون أن تدين إسرائيل. وبرأي "الشرق الأوسط" وقلم "علي حماده" أظهر الإسرائيلي "قلة حيلة" في عدوانه على غزة "بعدما كانت تجري مفاوضات من أجل التوصل إلى هدنة، لئلا نقول غباء مفرطا بتناغمه الموضوعي مع الاجندة الايرانية".
من الواضح أن هذه شطحة من شطحات الكاتب، فالغباء ليس إسرائيليا بل عربيا صرفا، والمحلل السياسي إسرائيل شامير في حديث لقناة "روسيا اليوم" قال: "للمرة الأولى تجري إسرائيل عملية عسكرية في غزة في ظل غياب أي خطر في الشمال من جانب سورية. هذا الخطر تم تبديده بفضل جهود الدول العربية". وبرأي د. أشرف الصباغ تصوغ قطر مشروعا عربيا جديدا مبنيا على سياسة الأمر الواقع. "ولا شك أن تنظيم الإخوان المسلمين الدولي وفرعه في مصر ... ينفذ الجزء الخاص به بدقة متناهية تحت غطاء إنقاذ غزة ومساعدة أهلها... إن قطر تحرك الأمور بدقة وبنجاح على حساب الفلسطينيين ومستقبل القضية الفلسطينية، وتدفع بتنظيم الإخوان الذي يحكم مصر حاليا إلى مغامرات ليس لها علاقة لا بالقضية الفلسطينية ولا بالفلسطينيين ولا حتى بمصالح مصر الاقتصادية والعسكرية والأمنية. كل ما يجري الآن من مناورات قطرية - إخوانية - إسرائيلية - أمريكية مجرد مدخل بسيط لمرحلة جديدة، ستبدأ بوادرها بعد الانتهاء من موضوع غزة وبداية الصراعات الإقليمية الساخنة، وكذلك الصراعات الداخلية الجديدة (ربما تكون دموية) سواء في مصر أو بين الفلسطينيين".
المضحك المبكي أن أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة أعلن على الملأ عبر "الجزيرة" أن إسرائيل لن توقف عدوانها ما لم تواجه بمقاومة قوية كما ووجهت في لبنان من قبل حزب الله.
رائد كشكية
المواضيع المنشورة في منتدى "روسيا اليوم" لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر إدارتي موقع وقناة "روسيا اليوم".